والفرق: أن موضوع تلك المسألة في الدار، والدار إذا لم يكن الآمر ساكناً فيها؛ لا يعرف أنها في يده لجواز أنها في يد غيره، وانعدم دليل الملك؛ أما الدابة منقولة، واليد على المنقول لا تثبت إلا بالنقل، وإذا لم يوجد النقل من الغير علم أنها ليست في يد الغير، فكان في يد المستودع واليد دليل الملك.
وفي الوجه الثالث: لا يرجع؛ لأن الآمر لا يصح المودع إذا بعث الحمار أو البقر إلى السرح يعتبر في ذلك العرف، والعادة.
[الفصل الخامس في تجهيل الوديعة]
إذا مات المودع مجهلاً للوديعة ضمنها؛ إما لأن ما بعد الموت حال أخذ الورثة جميع ما كان في يده؛ لأن ظاهر اليد تدل على الملك إلا إن ثبت خلافه ولم يثبت، والمودع يضمن بمثل هذا التمكين؛ وإما لأنه التزم أداء الأمانة، ومن أداء الأمانة الرد عند طلب المالك يضمن كذلك، والبيان عند الموت، ولو ترك الرد عند طلب المالك يضمن، فكذا إذا ترك البيان عند الموت؛ وإما لأنه خلط الوديعة بماله على وجه لا يمكن التمييز، ومثل هذا الخلط يوجب الضمان كما في حالة الحياة، ثم إن المودع إنما يضمن بالتجهل عند الموت إذا لم يعرف الورثة الوديعة بعينها؛ أما إذا عرفت فلا؛ لأن ما ذكرنا من المعاني لا يتأتى إذا عرفت الورثة الوديعة بعينها.
وفي «الأصل» : رجلان جاءا إلى رجل فقال كل واحد منهما: أودعتك هذه الوديعة، فقال المودع: لا أدري أيكما استودعني هذه الوديعة، ولكني أعلم أنها لأحدكما، وليس لواحد منكما على ذلك بينة، فعليه أن يحلف لكل واحد منهما ما أودعه هذه الوديعة بعينها، والمسألة معروفة في كتاب الإقرار، وغرض محمد من إيراد هذه المسألة في كتاب الوديعة بيان حكم الضمان بسبب التجهيل، فقال: إذا أبى أن يحلف لهما، فالقاضي يدفع الوديعة إليهما، ويضمنه قيمة الوديعة بينهما؛ لأنه صار مجهلاً في حق كل واحد منهما، فيصير ضامناً.
وفي كتاب «الأجناس» : إن الأمانات بالموت تنقلب مضمونة إذا لم يبينها؛ إلا في ثلاث مواضع:
أحدها: متولي الأوقاف إذا مات، ولا يعرف حال عليها التي أخذها ولم يبينها، فلا ضمان عليه، وأحاله إلى وقف حلال.
الثاني: السلطان إذا خرج إلى الغزو فغنموا، وأودع بعض الغنيمة إلى بعض الغانمين ومات، ولم يبين عند من أودع لا ضمان عليه، وأحاله إلى «السير الكبير» .
الثالث: أحد المتفاوضين إذا مات وفي يده مال الشركة ولم يبين؛ لا ضمان عليه، وأحاله إلى شركة «الأصل» .