أتغدى خرج جواباً لسؤال المخاطب وأمكن جعله جواباً لأنه لم يزد على حرف الجواب فيجعل جواباً، والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال والسؤال وقع عن غداء بعينه بدلالة قوله: تغد معي أي هذا الغداء فيجعل ذلك كالمصرح به في السؤال كأنه قال: تغد معي هذا الغداء، وإذا ثبت هذا في السؤال بدلالة الحال ثبت في جواب لأن الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، وليس كما لو ابتدأ اليمين لأن كلامه لم يخرج جواباً حتى يتقيد بل خرج ابتداءً وهو مطلق عن القيد فينصرف إلى كل غداء، بخلاف مالو قال: والله لا أتغدى معك لأنه زاد على حرف الجواب ومع الزيادة على حرف الجواب لا يمكن أن يجعل جواباً فجعل ابتداءً ولا قيد فيه، وإذا قال لغيره: كلم لي زيداً اليوم في كذا فقال: والله لا أكلمه فهذا التخصيص باليوم لأنه خرج جواباً عن الكلام السابق فتضمن إعادة ذلك.
وعلى هذا إذا قال: ائتني اليوم فقال امرأته طالق إن أتاك، قال القدوري في «شرحه» إلا إذا تخلل بين السؤال والجواب ما يقطع الجواب عنه والله أعلم.
[(الفصل الخامس) في الأيمان التي يقع فيها التخيير والتي لا يقع فيها التخيير]
قال محمد رحمه الله في «الجامع» إذا قال الرجل: والله لا أدخل هذه الدار (أو هذه) فأي الدارين دخلها يحنث.
الأصل في جنس هذه المسائل أن كلمة (أو) إذا دخلت بين اسمين في النفي كانت بمعنى ولا، قال الله تعالى:{فلا تطع منهم آثماً أو كفوراً}(الإنسان: ٢٤) معناه: ولا كفوراً، وكذلك إذا دخلت بين اسم وفعل في النفي كانت لمعنى ولا، قال بعض أهل التفسير: معنى الآية ولا تطع منهم آثماً ولا تطع منهم كفوراً بحكم العطف وكلمة أو من حيث الصورة والظاهر دخلت بين الاسمين وهو الآثم والكفور، ومن حيث المعنى دخلت بين الاسم وهو الآثم والفعل وهو الطاعة ومتى دخل كلمة أو بين إثباتين يكون للتخيير قال الله تعالى:{فكفارته إطعام عشرة مساكين}(المائدة: ٨٩) الآية ومتى دخلت بين إثبات ونفي، إن كان المذكور الثاني تصلح غاية للمذكور أولاً كانت للغاية، وإنما تعرف صلاحيته لكونه غاية للأول إذا لو صرح بكلمة حتى مكان أو يستقيم الكلام ولا يخيل بقول الرجل لغريمه لا أبرح من بابك أو تعطيني حقي، معناه: حتى تعطيني حقي، وإن كان المذكور الثاني لا يصلح للمذكور الأول غاية كانت للتخيير فكان بهذا القائل خير نفسه بين اختيار المذكور الأول وبين اختيار المذكور الثاني.
إذا عرفنا هذا جئنا إلى تخريج المسألة وهي ما إذا قال: والله لا أدخل هذه الدار أو لا أدخل هذه، فنقول كلمة أو دخلت بين اسم وهو الدار وبين فعل وهو الدخول في النفي فكانت لمعنى ولا، كأنه قال: لا أدخل هذه الدار ولا هذه الدار، ولو صرح بذلك إذا دخل في أحدهما يحنث في يمينه. كذا هاهنا.