يجعل القاضي من في يديه المال خصماً عنه، أو ينصب عنه قيماً فتقبل عليه البينة، وأما موت الأقران وهو المذكور في «الكتاب» عن محمد رحمه الله: ويشترط موت جميع الأقران ما بقي واحد من أقرانه لا يحكم بموته، ولم يذكر أنه يعتبر موت جميع أقرانه في جميع البلدان، أو في بلد المفقود، وقد اختلف المشايخ فيه؛ قال بعضهم: يعتبر موت أقرانه من أهل بلده، وهذا القول أرفق بالناس؛ لأن التفحص عن حال أقرانه في جميع البلدان إما غير ممكن أو فيه حرج ظاهر.
ولم يعتبر محمد رحمه الله في موت المفقود وحياته السنين، والمشايخ اعتبروا ذلك، فالمتقدمين من المشايخ بعد محمد رحمه الله قدروا عمره بمائة وعشرين سنة، وقالوا: متى مضى من مولده مائة وعشرين سنة فإنه يحكم بموته، وإن بقي بعض أقرانه في الأحياء، ولا يحكم بموته قبل ذلك وإن مات جميع أقرانه، وعن نصير بن يحيى أنه قدر عمره بمائة سنة، وهو المروي عن أبي يوسف والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل، والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن حامد رحمة الله عليهما شهدا به تسعين سنة، قالا: لأن الأعمار قد قصرت في زماننا، قال الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله: وعليه الفتوى.
قال شيخ الإسلام في «شرحه» : ما قاله محمد رحمه الله أحوط وأقيس؛ لأن مضي ما قالوا من المدة إن دل على موته، فبقاء من بقي من أقرانه بعد مضي هذه المدة يدل على حياته، فيقع التعارض بين دليل الحياة وبين دليل الموت، فلا يثبت الموت مع التعارض، ومتى اعتبرنا موت أقرانه، فإنما يثبت موته بدليل لا يعارض، وما قال المشايخ أرفق بالناس؛ لأن التفحص عن حال الأقران أنهم ماتوا أو لم يموتوا أمر غير ممكن أو فيه حرج، وإذا أوصى رجل للمفقود بشيء لم أقض بها ولم أبطلها؛ لأن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث تحبس حصة المفقود إلى أن يظهر حاله، كذا ههنا.
[الفصل الثاني في التصرفات في مال المفقود]
قال محمد رحمه الله: ما كان يخاف عليه الفساد من مال المفقود فالقاضي يبيعه، وما لا يخاف عليه الفساد فحفظه ممكن بدون البيع فلا حاجة إلى البيع، ولا كذلك ما يخاف عليه الفساد، وإن أراد واحد من أقاربه أن يبيع شيئاً من ماله لحاجة النفقة؛ إن كان المال عقاراً فليس له ذلك بالإجماع؛ سواء كان البائع أباً أو غيره، وإن كان منقولاً ليس من جنس حقه كالخادم والدار ونحو ذلك؛ أجمعوا على أن غير الأب لا يملك البيع؛ الأم وغيرها في ذلك على السواء، وأما الأب فلا يملك البيع قياساً، وهو قولهما، وعلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه يملك، وهو استحسان، وجه القياس: أن جواز البيع يشهد بالولاية، ولا ولاية للأب في مال ولده الكبير، ألا ترى أنه لا يمكن بيع عقاره.
وجه الاستحسان: أن أثر الولاية في حق مال ولده الكبير قائم حتى صح منه