فمن جملة ذلك هلاك مال الزكاة، قال أصحابنا رحمهم الله؛ إذا هلك مال الزكاة بعد حَوَلان الحول من غير تعد منه بالاستهلاك سقط عنه الزكاة، سواء هلك بعد التمكن من الأداء، أو قبل التمكن منه، وكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله يقول: إذا طالبه الساعي بالأداء، فلم يؤد حتى هلك ضمن، وقال أبو سهل الزجاجي من أصحابنا: لا يضمن.
فوجه قول أبي الحسن: أن الساعي ناب عمن له الحق في قبض هذا المال على التعين، فيصير ضامناً بالمنع منه كما في الوديعة، إذا قال صاحب الوديعة للمودع: ادفع الوديعة إلى غلامي هذا، فطلب غلامه ذلك الوديعة، فلم يدفع إليه، فإنه يصير ضامناً، فههنا كذلك، وعلى هذا العرف يخرج ما إذا طلب الفقير منه ذلك، فلم يدفع إليه حتى هلك حيث لا يضمن؛ لأن هذا الفقير (١٤١ب١) لم يتعين نائباً عمن له الحق في أخذ هذا المال، فهو نظير ما لو قال صاحب الوديعة: ادفع الوديعة إلى أي غلماني شئت، فجاء واحد من غلمانه وطلب الوديعة، فلم يدفع إليه حتى يدفع إلى غلام آخر هناك لا يصير ضامناً كذا.
وجه قول أبي سهل: أن وجوب الضمان يستدعي تفويتاً، ولم يوجد، وفي فصل الوديعة وجد التفويت؛ لأن المودع بالمنع بدل اليد، فصار مُفوتاً يداً بذلك، فيجب الضمان بالتفويت، أما ههنا بخلافه.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا كان للرجل ثمانون من الغنم السائمة حال عليها الحول، حتى وجبت شاة، ثم هلك منها، وبقي أربعون، ففي القياس يزكي الباقي نصف شاة، وهو قول محمد وزفر، وفي الاستحسان يزكي الباقي بشاة كاملة، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف.
من مشايخنا من قال: هذه المسألة في الحاصل تبنى على أصل أن المال إذا اشتمل على النصاب في العفو، فالواجب يتعلق بالنصاب، وحل استحساناً حتى لو هلك العفو، وبقي النصاب بقي كل الواجب، وقال محمد وزفر: يتعلق بهما قياساً حتى لو هلك العفو سقط من الزكاة بقدره، فوجه القياس في ذلك قوله عليه السلام «في أربعين شاة شاة إلى مائة وعشرين» ، فقد جعل الشاة واجبة في الكلّ؛ ولأن ما زاد على الأربعين نعمة، فتجب الزكاة فيه شكراً قياساً على الأربعين، وبالإجماع لم يجب فيما زاد على الأربعين شيء آخر. علمنا أن الشاة واجبة في الكل، فإذا هلك ما زاد على الأربعين يجب أن يهلك بخمسة كما لو كان له أربعون من الغنم، وهلك بعضها، إلا أن هذه الزيادة تسمى