[الفصل السادس: في الرجوع عن الشهادة في العتق والكتابة والتدبير والاستسعاء]
قال محمد رحمه الله: شهود العتق يضمنون عند الرجوع قيمة العبد المشهود به موسرين كانا أو معسرين، لأن هذا ضمان إتلاف الملك، وإنه لا يختلف باليسار والعسار (١٦٢أ٤) ولا يمتنع وجوب الضمان عليهما بسبب ما أوجبا من الولاء (لأنه) ليس بمال متقوّم، فلا يصلح عوضاً عمّا أتلفا من ملك الرقبة على المولى.
قال: وشهود التدبير يضمنون عند الرجوع ما نقصه التدبير؛ لأنهم فوتوا بعض المنافع من حيث التجارة دون البعض، فإنه بقي من حيث الإجارة فلم يكن الفائت جنس منفعة على المالك، فكان نقصاناً فيضمنان ذلك.
فإن مات المولى والعبد يخرج من الثلث عتق العبد كله مجاناً، لأن رجوع الشاهد لا يعمل في حق العبد ويجعل في حق العبد كأنه لم يرجع، ولو لم يرجع حتى مات المولى، وباقي المسألة بحاله، كان الجواب كما قلنا كذا ههنا، وضمن الشهود قيمته مدبراً؛ لأن تلف ما بقي حصل عند موت المولى، وقد ضمنوا النقصان مرة، فلهذا قال: ضمنوا له قيمته مدبراً؛ وإن كان العبد لا يخرج من الثلث عتق ثلثه مجاناً، وسعى في ثلثي قيمته للورثة، كما لو لم يرجع الشهود ويضمن الشاهدان للورثة ثلث قيمة العبد مدبراً، لأنهما أزالا هذا القدر عن ملكهم بغير عوض، ولا رجوع لهما على العبد بذلك، وهل يضمنان قيمة الثلثين؟ ينظر إن عجل العبد السعاية يضمنان، وإن لم يعجل لا يضمنان، لأن في الوجه الأول أزالا ملكهم بعوض معجل، وفي الوجه الثاني أزالا ملكهم بعوض معجل، ويرجعان على العبد بذلك؛ لأنهما قاما مقام الورثة في ذلك لما ضمنا ذلك، وقد كان للورثة حق تضمين ذلك القدر، فكذا لمن قام مقامه بخلاف ضمان الثلث.
قال: وشهود الكتابة عند الرجوع يضمنون قيمة العبد بخلاف شهود التدبير، فإنهم يضمنون النقصان عند الرجوع دون القيمة.
والفرق: أن سبب وجوب ضمان القيمة إما إزالة اليد أو إزالة ملك الرقبة ولم يوجد شيء من ذلك في فصل التدبير إنما وجد سبب ضمان النقصان دون القيمة.
وأما في فصل الكتابة سبب وجوب ضمان القيمة قد وجد وهو إزالة يد المولى عنه من غير عوض يحصل له في الحال، فيضمن كما في الغصب، فإذا ضمن الشاهدان قيمة العبد للمولى رجعا على المكاتب ببدل الكتابة على نجومه؛ لأنهما بأداء الضمان قاما مقام المولى في حق ملك البدل إن لم يقوما مقامه في حق ملك المكاتب، واعتبر الشاهد في هذا بالوارث، والوارث يرجع على المكاتب ببدل الكتابة فكذلك الشاهد، ولا يعتق المكاتب ما لم يؤد بدل الكتابة إلى الشاهدين.