للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من سنته الجماعة قياساً على كسوف الشمس.

وعلماؤنا رحمهم الله قالوا: بأن كسوف القمر يكون بالليل، فيشق على الناس الاجتماع بالليل، وربما تخاف الفتنة؛ ولأن كسوف القمر كان على عهد رسول الله عليه السلام ككسوف الشمس بل أكثر، فلو كان صلى بجماعة لنقل ذلك نقلاً مستفيضاً كما نقل في كسوف الشمس، ولأن الأصل في التطوعات ترك الجماعة فيها ما خلا قيام رمضان لاتفاق الصحابة عليه، وكسوف الشمس لورود الأثر به.

وهكذا قال في «الكتاب» : ويكره في صلاة التطوع جماعة ما خلا قيام رمضان، وصلاة كسوف الشمس، ولهذا قال عليه السلام: «أفضل صلاة الرجل صلاته في بيته إلا المكتوبة» . ألا ترى أن ما يؤدى بالجماعة من الصلوات يؤذن لها ويقام ولا يؤذن للتطوعات ولا يقام؟ فدل أنها لا تؤدى بالجماعة.

وأما حديث عبد الله بن عباس، فلا يصح لما بينا: أن النبي عليه السلام لو كان صلى صلاة الخسوف بجماعة لنقل عنه نقلاً مستفيضاً، وأما اعتباره بصلاة كسوف الشمس لا يصح؛ لأنا عرفنا ذلك بالأثر، وهذا ليس في معناه، فالأثر الوارد ثم لا يكون وارداً ههنا. والله أعلم.

[الفصل الثلاثون في الاستسقاء]

ولا صلاة في الاستسقاء إنما فيه الدعاء في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله، وقال محمد رحمه الله: يصلي فيها ركعتين بجماعة كصلاة العيد إلا أنه ليس فيها تكبيرات، وقال الشافعي رحمه الله: يصلي ركعتين كما قال محمد رحمه الله إلا أنه قال: يكبر فيها كما في صلاة العيد، يكبر سبعاً في الركعة الأولى، وخمساً في الركعة الثانية.

حجة محمد، والشافعي رحمهما الله: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي عليه السلام: «صلى ركعتين فيها كصلاة العيد» وحجة أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} (نوح: ١٠) فإنما أمر بالاستغفار في الاستسقاء بدليل قوله تعالى: {يُرْسِلِ السَّمَآء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً} (نوح: ١١) وما أمر بالصلاة، وفي حديث أنس رضي الله عنه «أن الأعرابي لما سأل رسول الله عليه السلام أن يستسقي وهو على المنبر وقال: أجدبت الأرض وهلكت المواشي فاستسق لنا يا رسول الله، فرفع رسول الله عليه السلام يديه إلى السماء ودعا» قال الراوي: فما نزل عن المنبر حتى نشأت سحابة، فمطرنا إلى الجمعة القابلة الحديث إلى آخره، ولم يرد أنه صلى.

وإن عمر رضي الله عنه خرج للاستسقاء فما زاد على الدعاء، وروي أنه خرج بالعباس عم النبي عليه السلام، فأجلسه على المنبر، ووقف بجنبه يدعو ويقول: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك ودعا بدعاء طويل، فما نزل عن

<<  <  ج: ص:  >  >>