تعالى وأثنى عليه» ولأنها صلاة تطوع تقام بجمع عظيم، فيكون من سننها الخطبة قياساً على صلاة العيد.
وأصحابنا رحمهم الله احتجوا بما روى جابر رضي الله عنه عن النبي عليه السلام قال:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذ رأيتم من ذلك شيئاً فصلوا حتى تنجلي» فقد أمر بالصلاة ولم يأمر بالخطبة، وكذلك روي عن النبي عليه السلام قال:«إنه إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئاً فافزعوا إلى الدعاء» ؛ ولأن الخطبة مشروعة لأحد أمرين: إما شرطاً للجواز كما في صلاة الجمعة، أو للتعليم كما في صلاة العيدين، فإنه يحتاج فيهما إلى تعليم صدقة الفطر والأضحية، وهنا الخطبة ليست بشرط للجواز بالإجماع، ولا يجوز أن تكون مشروعة للتعليم؛ لأنه لا حاجة إلى التعليم في صلاة الكسوف؛ لأن التعليم حصل من حيث الفعل.
ألا ترى أن في خطبة العيدين؛ لا يسن تعليم صلاة العيدين لأن التعليم حاصل بالفعل، وإنما يسن تعليم صدقة الفطر والأضحية، فأما حديث عائشة رضي الله عنها، قلنا: الحديث محمول على أن النبي عليه السلام احتاج إلى الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لأن الناس كانوا يقولون: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم (١١٣أ١) ولد النبي عليه السلام فخطب لكي يرد عليهم ذلك، أو نقول: معنى قوله خطب أي: دعا فإن الدعاء يسمى خطبة. والله أعلم.
ومما يتصل بهذا الفصلالصلاة في خسوف القمر
قال محمد رحمه الله: والصلاة في كسوف القمر وخسوفه حسن وحداناً، وكذلك في الظلمة والريح والفزع لقوله عليه السلام:«إذا رأيتم من هذه الأهوال» أو قال: «من هذه الأفزاع شيئاً فأفزعوا إلى الصلاة» .k
قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله والشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: وعاب بعض أهل اللغة والأدب على محمد رحمه الله في هذا اللفظ، وقال: إنما يستعمل في القمر لفظ الخسوف، قال الله تعالى:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ}(القيامة: ٧، ٨) والجواب عن هذا أن نقول: الخسوف ذهاب دائرته، والكسوف ذهاب ضوئه دون دائرته، ومراد محمد رحمه الله من هذا ذهاب ضوئه لا ذهاب دائرته، فلهذا ذكر الكسوف.
ثم الصلاة فيها فرادى عندنا، وعند الشافعي يصلي بجماعة، احتج الشافعي بما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما «أنه صلى بهم في خسوف القمر، وقال: صليت كما رأيت رسول الله عليه السلام صلى» ؛ ولأنه كسوف يصلى لأجله، فيكون