فنقول: ذكر أبو الحسن الكرخي رحمه الله في كتابه: إنها على الفور، وذكر الحاكم الشهيد في «المنتقى» أنها على الفور عند أبي يوسف ومحمد، وفي موضع آخر في «المنتقى» أنه إذا لم يترك حتى حال عليها حولان، فقد أساء وأثم، وعن محمد إن من لم يؤد الزكاة لم تقبل شهادته، وأن التأخير لا يجوز.
ووجه ذلك: أن الأمر بالأداء إن كان معلقاً إلا أنه تعين الفور، بدليل أن الزكاة إنما وجبت لدفع حاجة الفقر، وحاجته ناجزة.
وقال أبو بكر الرازي رحمه الله: إنها تجب على التراخي، وهكذا روى ابن شجاع، والبلخي عن أصحابنا. قال البلخي رحمه الله: وكذلك الحج، وهذا لأنه ليس في كتاب الله تعالى وما في سنّة رسوله بيان وقت أداء الزكاة، ولا يمكن إتيانه قياساً؛ لأن شروط العبادة لا تثبت قياساً كأصلها، فيبقى جميع العمر وقتاً لها كما في قضاء رمضان وكما في الكفارات.
[الفصل الثاني في بيان سبب وجوب الزكاة]
قال المحققون من مشايخنا: سبب وجوب أصلها في الذمة المال، وليس معناه أن الموجب هو المال بل الموجب هو الله تعالى، ولكن معناه: أن الله تعالى جعل المال سبباً لوجوب الزكاة كما أن المروي والمشبع هو الله تعالى، ولكن جعل الماء والطعام سبباً للري والشبع، وعلى قول هؤلاء الخطاب يطلب الأداء لا لأجل الوجوب في الذمة، وعليه اعتمد الإمام أبو منصور الماتريدي في كتاب «مأخذ الشرائع» .
وقال بعض مشايخنا: وجوب أصلها في الذمة بالخطاب أيضاً، ويقول به عامة أصحاب الشافعي رحمهم الله؛ لأن المال لا يمكن أن يجعل سبباً؛ لأن المال موجود في حق كثير من الأشخاص، ولا وجوب نحو الذي أسلم في دار الحرب، ومن أشبهه.
وجه قول المحققين من مشايخنا: أنها تضاف إلى المال، والحكم إنما يضاف إلى سببه قضية الأصل؛ لأن الأصل في الإضافات إضافة الحادث إلى سبب الحدوث؛ لأن الإضافة للاختصاص؛ ومعنى الحدوث به سابق على سائر معاني الاختصاص إلا أن الشرع جعل المال سبباً في وضع لا يؤدي إلى الحرج، وفي حق الذي أسلم في دار الحرب يؤدي إلى الحرج لتضاعف الواجبات.