يكون خرج للعيدين، فكأنه سمع في مجلس قضائه وهذا على قياس قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله.
وأما إذا علم وهو قاض في مصره، ثم عزل عن القضاء، ثم أعيد عليه بعد ذلك هل يقضي بذلك العلم؟ لا شك أن على قولهما يقضي، فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يقضي، لأن بالعزل صار ذلك العلم علم شهادة، ولم يبق علم قضاء، فلا ينقلب علم قضاء بعد ذلك بالتقليد، وصار كما لو شهد الشهود عند القاضي في حادثة وهو قاض، ثم عزل عن القضاء، ثم أعيد عليه، فإنه لا يقضي بتلك الشهادة كذا هاهنا.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله في حاكم أخبر بإعتاق رجل عبده، أو بطلاق رجل امرأته ثلاثاً، قال: إن أخبره بذلك عدلان، فينبغي أن يجتهد في طلب ذلك أشد الطلب حتى يظفر به، وينظر في أمره، يريد بهذا إذا أخبر أن فلاناً أعتق عبده ثم استرقه، أو طلق امرأته ثلاثاً ولا يعزل عنها، وإنما كان الجواب كذلك؛ لأن خبر العدلين حجة مطلقة يقطع الأحكام بها ويلزم القضاء بها، فيثبت المخبر به في حق القاضي؛ فلهذا كان عليه الطلب، وإن كان المخبر واحداً عدلاً وكان أكثر رأيه أنه صادق، فالأفضل في ذلك طلبه، وإن لم يفعل رجوت أن يكون في سعة منه، وهذا لأن خبر الواحد العدل حجة في الديانات حتى عمل به في طهارة الماء ونجاسته، إلا أنه ليس بحجة مطلقة، فمن حيث إنه حجة وكان أكثر رأيه أنه صدق فالأفضل هو الطلب، ومن حيث إنه ليس بحجة مطلقة، قلنا: إن لم يطلب كان في سعة.
ونظير هذا رجل أخبره رجلان عدلان أنه مع امرأته ارتضعا من امرأة واحدة، لزمه الاجتناب عنها، ولو أخبره بذلك رجل واحد، فالأفضل أن يجتنب عنها، وإن أقام عليها فهو في سعة منها، والمعنى ما ذكرنا، ولو كان المخبر للحاكم رجل واحد لا يدري صدقه من كذبه، يعني لا يدري عدالته، فليس عليه الطلب (٧٢ب٤) أصلاً؛ لأن الخبر إنما يصير حجة بوصف الصدق، وإنما يثبت هذا الوصف للخبر بالعدالة، فإذا لم توجد العدالة لا يثبت هذا الوصف للخبر في حق الحكم، فلا يلزم الطلب أصلاً والله أعلم.
الفصل الثالث عشر: في القاضي يجد في ديوانه شيئاً لا يحفظوفي نسيانه قضاءه، وفي الشاهد يرى شهادته ولا يحفظ
إذا قضى القاضي بقضيته، وأتى على ذلك زمان، ثم احتاج المقضي له إلى تلك القضية، فشهد شاهدان عند ذلك القاضي أنك قد قضيت لهذا على هذا بكذا، ولا يتذكر القاضي ذلك، قال أبو حنيفة رحمه الله: لا تقبل هذه الشهادة، ولا يقضي إلا بما يحفظه، وكان أبو يوسف رحمه الله أولاً يقول: القاضي يقبل هذه الشهادة، ثم رجع فقال: لا يقبل، روى رجوعه بشر في «نوادره» ، ومحمد رحمه الله يقول: القاضي يقبل