للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادتهما، ويلزم المشهود عليه ذلك، وهو قول حسن بن زياد، وإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة.

واجمعوا على أنه إذا لم يبينا المقضي عليه بأن شهدا عند القاضي أنك قضيت لهذا بكذا، ولم يقولا على من قضيت، أن القاضي لا يقبل شهادتها.

حجة محمد رحمه الله: أن الأقضية تكثر، ولكثرتها لا يمكن للقاضي حفظها، فلو لم يمكن إثباتها بالبينة لتعطلت الحقوق، ألا ترى أنه يمكن إثباتها بالبينة عند قاض آخر، وإنما أمكن إثباتها لما قلنا، وهذا الطريق موجود في هذا القاضي.

ولأبي حنيفة رحمه الله أنه لو قبلت هذه البينة صار القاضي خصماً؛ لأنه بهذه البينة يثبت عليه فعله، والقاضي لا يصلح خصماً، ألا ترى أن رجلاً لو أقام عليه بينة، أنك غصبت مني كذا، أو استقرضت مني كذا لا يقبل هذه الشهادة، وطريقه ما قلنا؛ ولأن القضاء أعلى مرتبة من الشهادة.

ولو شهد شاهدان عند رجل أنك تحملت شهادة كذا وهو لا يتذكر، لا يسعه أن يشهد بقولهما، فأولى أن لا يقضي القاضي بشهادتها.

وإذا وجد القاضي شهادة شهود في ديوانه، أي في خريطته، والخريطة مختومة بختم القاضي، والشهادة مكتوبة بخطه أو بخط نائبه، إلا أنه لا يتذكر تلك الشهادة فعلى قول أبي حنيفة: لا يقضي بتلك الشهادة، وعلى قولهما يقضي.

وكذلك إذا وجد سجلاً في خريطته، والخريطة مختومة بختمه والسجل مكتوب بخطه، أو بخط نائبه، فالقاضي لا يمضي ذلك السجل عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندها يمضي.

وإذا وجد الشاهد شهادته مكتوبة بخطه، وهو لا يتذكر الحادثة، فعامة المشايخ على أن هذا الفصل على الخلاف الذي مرّ ذكرهُ، وهو الظاهر، وذكر شمس الأئمة السرخسي أن على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا يسعه أن يشهد، وعلى قول محمد يسعه.

وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف، كما ذكره شمس الأئمة، ومن هذا الجنس رواية الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا وجد الرجل سماعه مكتوباً في موضع لكن لا يتذكر ذلك لا يحل له أن يروي عند أبي حنيفة، وعندهما له أن يروي، فشرط الرواية عند أبي حنيفة أن يحفظ الحديث من حين سمع إلى أن يروي، وعندهما الحفظ ليس بشرط.

فمحمد رحمه الله وسع في هذه الفصول كلها، وجوز للقاضي قبول الشهادة على قضائه، وجوز الاعتماد على المكتوب، وقال: النسيان مركب في الآدمي، فلو لم يجز الاعتماد على هذه الأشياء، عند النسيان لتعطلت الحقوق، وأبو حنيفة شدد في الكل، فلم يجوِّز للقاضي قبول الشهادة على قضائه، ولم يجوز الاعتماد على المكتوب في الفصول الثلاث، والوجه في ذلك: أن الشهادة والقضاء يثبتان على العلم، وكذلك رواية

<<  <  ج: ص:  >  >>