بيانه في المسألة التي تلي هذه المسألة، فإن ضمن الثاني صار قصاصاً بدينه، وبرىء الأول، وإن ضمن الأول لا يبرأ الثاني.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : رجل له على آخر دين، فأخذ من ماله مثل حقه، قال أبو نصر محمد بن سلام: يصير غاصباً، ويصير ما أخذ قصاصاً بما عليه؛ لأنه أخذ بغير إذنه؛ قال الصدر الشهيد رحمه الله: والمختار أنه لا يصير غاصباً؛ لأنه أخذ بإذن الشرع؛ لكن يصير مضموناً عليه؛ لأن طريق قضاء الدين هذا، فلو أخذ ذلك غير صاحب الدين، ودفعه إلى صاحب الدين؛ قال محمد بن سلمة: المغصوب منه بالخيار؛ إن شاء ضمن الآخذ، وإن شاء ضمن صاحب الدين؛ لأن الأول غاصب، والثاني غاصب، أو غير غاصب؛ لكنه مضمون عليه، فإن اختار تضمين الآخذ لم يصر قصاصاً منه بدينه، وإن اختار تضمين صاحب الدين صار قصاصاً بدينه، وقال نصير بن يحيى: لا خيار، ويصير قصاصاً بدينه؛ لأن الآخذ كالمعين لصاحب الدين على أخذ حقه، والله تعالى أعلم.
الفصل الرابع عشر
في غصب الحر والمدبر، والمكاتب، وأم الولد
في «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد في رجل خدع امرأة رجل أو ابنته، وهي صغيرة، وأخرجها من منزل أبيها أو زوجها؛ قال: أحبسه حتى يأتي بها، أو يعلم حالها.
وفيه أيضاً: عن أبي يوسف؛ رجل سرق صبياً، فسرق من يده، ولم يستبن لهم موته، ولا قتله لم يضمن، ولكنه يحبس حتى يأتي به، أو يعلم حاله.
وفي «القدوري» : لو غصب صبياً من أهله، فمرض، ومات في يده، فلا ضمان عليه؛ لأن الحر ليس بمحل للغصب حتى يجب الضمان بصورة هذا الفعل، ولا يضمن بالموت؛ لأنه أمر مجبور لا صنع لأحد فيه، ولو عقره سبع في يده أو نهشته حية، فمات، فعلى عاقلة الغاصب الدية.
وكذلك لو وقع عليه حائط، أو وقع في بئر كان على عاقلة الغاصب الدية، ولو قتل هذا الصبي رجل خطأ في يد الغاصب، فلأولياء الصبي أن يتبعوا عاقلة أيهما شاؤوا، فإن ضمنوا عاقلة الغاصب رجعوا على عاقلة القاتل، وإن قتل الصبي نفسه فديته على عاقلة الغاصب، ولا يرجعون بها على عاقلة الصبي، وكذلك لو أتى على شيء من نفسه من اليد والرجل، وما أشبه ذلك.
وكذلك لو أركبه دابة، فألقى نفسه منها، وهذا كله قول أبي يوسف، وقال محمد: لا ضمان على الغاصب بجناية الصبي على نفسه، ولو قتل رجل هذا الصبي عمداً في يد الغاصب، فلأوليائه أن يتبعوا القاتل، فيقتلوه، وعند ذلك يبرأ الغاصب، وإن شاؤوا اتبعوا عاقلة الغاصب بالدية، ورجعت عاقلة الغاصب في مال القاتل عمداً.