فيه دعوى رجل على رجل عبداً أنه كان ملك ابن عمي فلان مات، وهو ملكه، وأنا وارثه لا وارث له غيري، وصار هذا العبد ميراثاً من جهته، وهو ممتنع عن طاعتي، فادعى المدعى عليه في دفع دعواه أن مورثه هذا أعتقني في مرضه، وأنا أخرج من ثلث ماله، وأنا اليوم حر، ولا سبيل له عليّ وأقام على ذلك بينة، فادعى هذا المدعي ثانياً أني كنت اشتريت هذا العبد من ابن عمي هذا في صحته، وكان فيه جواب نجم الدين النسفي رحمه الله: أنه لا يصح دعواه ثانياً لمكان التناقض، وتعذر التوفيق؛ لأنه ادعى الإرث، ثم ادعى الشراء في حياة المورث.
وهذا الجواب صحيح، والعلة ظاهرة، فقد ذكر محمد رحمه الله في آخر «جامع الكبير» في رجل مات أبوه، فادعى داراً في يدي رجل أنه داره اشتراها من أبيه في حياته وصحته، وأقام على ذلك بينة، فلم تزل بينته، أو لم يكن له بينة، فحلف المدعى عليه، ثم أقام المدعي بينة أنها كانت دار أبيه مات وتركها ميراثاً له لا يعلمون له وارثاً غيره، فالقاضي يقضي بالدار للمدعي؛ لأنه لا تناقض بين دعوى الشراء من الأب في حياته وصحته أولاً، وبين دعوى الإرث منه ثانياً؛ لأنه يمكنه أن يقول: اشتريت منه كما ادعيت أولاً لكن عجزت عن إثبات شرائي، وبقيت الدار على ملك أبي ظاهراً، فصار ميراثاً لي بموته في الظاهر.
وبمثله لو ادعى الإرث من الأب أولاً، ثم ادعى الشراء منه بعد ذلك لا يصح منه دعوى الشراء؛ لأن بين دعوى الإرث أولاً، وبين دعوى الشراء ثانياً تناقض إذ لا يمكنه أن يقول: ورثت من أبي كما ادعيت أولاً، فلما عجزت عن إثبات الإرث اشتريت منه يوضحه أن الشراء من جهة الأب قد يصير ميراثاً بأن يفسخ الشراء بينهما، أما في حياته، أو بعد وفاته بأن يجد به عيباً، فيرده فلا تتحقق المناقضة لا محالة، أما الموروث من الأب لا يصير مشترياً من جهته، فتتحقق المناقضة.
[محضر فيه دعوى الميراث]
صورته: رجل مات، فجاء رجل وادعى ميراثه بعصوبة بنوة العم، وأقام الشهود على النسب بذلك بذكر الأسامي إلى الجد، ثم إن منكر هذا النسب والميراث أقام بينة أن جد الميت فلان، وهو غير ما أثبت المدعي، هل يندفع بهذا دعوى المدعي وبينته؟ وكان جواب نجم الدين النسفي أنه إن وقع القضاء بالبينة الأولى لا يندفع، وإن لم يقع القضاء بالبينة الأولى لم يجز القضاء بإحدي البينتين لمكان التعارض.
قال: وهو نظير مسألة طلاق المرأة يوم النحر من هذه السنة بالكوفة، وعتاق العبد يوم النحر بمكة من هذه السنة، قيل: وينبغي أن لا تندفع بينة المدعي، ولا تقبل بينة المدعى عليه؛ لأنها لوقبلت إما أن تقبل على إثبات اسم الجد، ولا وجه إليه؛ لأنه ليس بخصم، وإما أن تقبل لنفي ما ادعاه المدعي، ولا وجه إليه أيضاً؛ لأن البينة على النفي غير مقبولة.