وهذا لأنه لا صحة لهذه المقاصة إلا بعد انفساخ الصرف المرسل، وإنشاء صرف آخر على هذا الدين الواجب بعد عقد الصرف، ولو صرحا بذلك أليس أنه يجوز؟ كذا هاهنا.
وجه ما ذكر في رواية أبي حفص: أن جواز هذه المقاصة بدين وجب قبل عقد الصرف عرف بخلاف القياس بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، والحديث الوارد في دين وجب قبل عقد الصرف لا يكون وارداً في دين وجب بعد عقد الصرف؛ لأن هذا صريح نصوص أُخر بخلافه يوجب قبض بدلي الصرف وهو آثار الصحابة رضي الله عنهم، وكان الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله يميل إلى رواية «الزيادات» ورواية أبي سليمان.
حكى ذلك عنه القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله، وكان الشيخ الإمام شمس الأئمة أبو بكر محمد ابن أبي سهل السرخسي رحمه الله يميل إلى رواية أبي حفص رحمه الله.
ومما يتصل بمسائل المقاصة
وإن لم يكن من جنس مسائل هذا الفصل:
ما ذكر في «المنتقى» وصورتها: رجل له عند رجل وديعة وللمودع على صاحب الوديعة دين، هو من جنس الوديعة لم تصر الوديعة قصاصاً بالدين قبل أن يجتمعا عليه وبعدما اجتمعا عليه لا يصير قصاصاً أيضاً ما لم يرجع إلى أهله فيأخذها، وإن كانت في يده فاجتمعا على جعلها قصاصاً لا يحتاج إلى شيء أخر غير ذلك، ومتى صار ديناً صار قصاصاً، وحكم المغصوب إذا كان المغصوب قائماً في يد رب الدين وحكم الوديعة سواء، وحكم الدينين إذا كانا مؤجلين أنه لا تقع المقاصة بينهما ما لم يتقاصا، وكذا إذا كان أحدهما مؤجلاً والأخر حالاً، أو كان أحدهما علة والأخر صحاحاً والله أعلم.
[الفصل السابع عشر: في بيع الموزون بجنسه أو بخلاف جنسه وبيع المكيل كذلك وما يتصل بهما]
ولا يجوز بيع الإناء المتخذ من الفضة بالدراهم إلا وزناً بوزن، وكذلك لا يجوز بيع الإناء المتخذ من الذهب بالدنانير إلا وزناً بوزن؛ لأن الصياغة فيه بمعنى الجودة ولو كان أحد البدلين جيداً والأخر رديئاً لم يجز ما لم يتساويا وزناً. قال عليه السلام:«جيدها ورديئها سواء» ، فلم يخرج الذهب والفضة عن الوزن بالصفة حتى أثبت الربا بين المصبوغ وغير المصبوغ.
وفرق بين الفضة والذهب، وبين الحديد والرصاص والصفر حيث خرجت هذه الأشياء بالصفة عن حد الوزن حتى يجوز بيع إناء متخذ من حديد بحديد غير مصبوغ كيف