قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : وإذا شهد شاهدان عند القاضي أن هذا الرجل وارث هذا الميت لا وارث له غيره ولم يخبرا بسبب الميراث، ثم إنهما ماتا أو غابا قبل أن يسألهما القاضي عن السبب، فالقاضي لا يقضي بشهادتهما؛ لأنهما شهدا (١٢٩أ٤) بالمجهول؛ لأن الوارث مجهول غاية الجهالة؛ لأن أسباب الإرث كثيرة؛ أحكامها مختلفة، فكانت الجهالة ساحة لا يمكن تداركها، فيعجز القاضي عن القضاء؛ لأنه لا يدري بأي سبب يقضي، ألا ترى أنه لو جاء آخر وادعى أنه ابن الميت أو أبوه، فالقاضي لا يدري أنه يشاركه في الميراث أو لا يشاركه، فكيف يشاركه، وهذا بخلاف ما لو شهدا بالدين أو بملك الغير، فإنه تقبل شهادتهما، وإن لم يبينا سبب ذلك؛ لأن الدين لا يختلف باختلاف سببه، وكذلك ملك الغير لا يختلف باختلاف سببه، فلا يكون المشهود به مجهولاً بخلاف الإرث؛ لأنه يختلف باختلاف أسبابه، فلا بد من بيان السبب، فإن قالا: هو ابنه ووارثه لا يعلم له وارثاً آخر صار المشهود به معلوماً للقاضي فيقضي بشهادتهما، فقد شرط مع بيان السبب أن يقول هو وارثه لا نعلم له وارثاً سواه، ولا شك أن قولهما: ووارثه شرط فيمن يحتمل الحجب والسقوط بحال، فأما من لا يحتمل الحجب والسقوط بحال نحو الأب والأم والابن والبنت هل هو شرط؟ فقد اختلف المشايخ فيه.
وإشارات محمد رحمه الله في «الكتاب» : متعارضة، فوجه قول من قال: إنه شرط هؤلاء قد لا يرثون بعارض القتل والكفر والرق؛ ولأنهم قد يكونون بجهة الرضاع، فيشرط ذكره ليزول الاحتمال، وجه قول من قال بأنه ليس بشرط وهو الصحيح: أن هذه العوارض ليست بظاهرة، فلا يلتفت إليها، والنسبة المطلقة بهذه الأشياء هي بجهة الرضاع غير ثابتة عادة فلا تورث شبهة، وقول الشاهدين: لا نعلم وارثاً آخر ليس من صلب الشهادة، وإنما هو لإسقاط مؤنة التلوم عن القاضي، فإنه يدونه القاضي يتلوم زماناً، ولو شهدوا أنه عم الميت لابد وأن ينسبا الميت والوارث حتى يلتقيا إلى أب واحد؛ ليعلم أنه عمه، ويتسامع ذلك أنه عمه لأبيه وأمه، أو لأبيه أو لأمه، حتى إذا جاء آخر وادعى ميراث الميت يعلم أن الأول حاجب للعالي أو ليس بحاجب له، وبعد أن لا يكون حاجباً له في أي قدر يشاركه الثاني، وينبغي أن يتسامع ذلك أنه وارثه لا يعلم له وارثاً غيره؛ لأن العمل يحتمل الحجب والسقوط بغيره، والذي ذكرنا من الجواب فيما إذا شهدوا أنه عم الميت وكذلك إذا شهد أنه أخ الميت، لا بد وأن يبينا أنه أخوه لأبيه وأمه أو لأبيه أو لأمه لأن الأخّوة في نفسها مختلفة، وقد يتعلق بها العصوبة، وهو ما إذا كان لأب وأم أو لأب، وقد تتعلق بها الفرضية، وهو ما إذا كانت لأم وأحكامها مختلفة، فلا بد من بيان ذلك ليصير المشهود به معلوماً للقاضي، ويشترط مع ذلك أن يقولا ووارثه: لا نعلم له