صار مبيعاً حتى قابله الثمن، نص عليه في كتاب الشرب، فإنه ذكر فيه:
إذا شهد شاهدان على أنه باع منه هذه الأرض بألف درهم، وذكر أحدهما شربها ولم يذكر الآخر لا تجوز هذه الشهادة، لأنهما اختلفا في الثمن من حيث الحقيقة، لأن من شهد أنه باعه بشربها، فقد شهد أن بعض الألف بمقابلة الشرب، والباقي بالأرض، والآخر يشهد أن جميع الألف بمقابلة الأرض، والاختلاف بين الشاهدين في الثمن يمنع قبول شهادتهما على البيع، فثبت أن الشرب مبيع، فإذا شهد بزيادة شرب لهم فقد شهد لنفسه بشيء من ذلك أولاً ثم بمشربه بحكم الشراء منه، فلا تقبل شهادته.
ولا تقبل شهادة الصبيان على الجراحات وتمزيق الثياب بينهم في الملاعب، وكذلك شهادة النساء على الجراحات في الحمامات لا تقبل.
رجل في يديه شاة مر به رجل فقال الذي في يديه الشاة للمار: اذبح هذه الشاة فذبحها، فجاءه رجل وادعى أنها شاته اغتصبها منه الذي كانت في يديه، وأقام على ذلك شاهدين، أحدهما الذابح لم تجز شهادة الذابح، علل فقال: لأنه دفع عن نفسه مغرماً، طعن عيسى في هذا فقال: يجب أن تقبل شهادته؛ لأنه جر إلى نفسه مغرماً؛ لأنه لما استحقها المدعي ظهر أن الآمر كان غاصباً، وأن الذابح ذبح شاة الغير بغير إذن ذلك الغير، وذبح شاة الغير بغير إذنه سبب الضمان، فعلم أنه جار إلى نفسه بهذه الشهادة مغرماً.
والجواب: لا بل هو دافع مغرماً عن نفسه بهذه الشهادة؛ لأنا لو لم نقبل شهادته يجب الضمان عليه خاصة؛ لأنه يجب بحكم إقراره أن الملك للمدعي، وأن الآمر كان غاصباً وإقراره حجة في حقه، وليس بحجة في حق غيره، وإذا قبلنا الشهادة يظهر ملك المدعي، وكون الآمر غاصباً في حق الكل، ويتخير المدعي بين تضمين الآمر وبين تضمين الذابح، وإذا ضمن الذابح كان له الرجوع على الآمر، فكان دافع مغرم من هذا الوجه، فلهذا لا تقبل شهادته.
وإذا شهد الوصي بالدين، إن شهد بالدين للميت على غيره لا يقبل؛ لأنه يثبت لنفسه حق القبض والاستيفاء فيصير شاهداً لنفسه، وإن شهد على الميت بالدين تقبل لأنه يطالب به، فيصير شاهداً على نفسه لا لنفسه فيقبل، قال: إلا أن يكون قضى الدين أولاً من التركة ثم شهد بعد ذلك فحينئذ تقبل شهادته، لأنه يقصد به إسقاط الضمان عن نفسه، فيكون شاهداً لنفسه، وإن شهد لبعض ورثة الميت على الميت أو على أجنبي أو على بعض الورثة بدين، فإن كان المشهود له صغيراً لا تقبل، لأنه يثبت حق القبض والاستيفاء لنفسه، فيصير شاهداً لنفسه، وإن كان المشهود له كبيراً، ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن الشهادة مقبولة ولم يذكر فيه خلافاً، وذكر شيخ الاسلام رحمه الله أن على قول أبي حنيفة رحمه الله لا تقبل، وعلى قولهما: تقبل، وأحال المسألة إلى كتاب الوصايا.