[الفصل التاسع عشر: في الشهادة في الطلاق والدعوى والخصومة]
إذا قال محمّد رحمه الله في «الأصل» : إذا شهد شاهدان على رجل أنّه طلّق إحدى امرأتيه ثلاثاً، ولم يسم لنا، فالقياس أن لا تقبل شهادتهما، وفي الاستحسان تقبل ويجبر الزوج على البيان، وبه أخذ علمائنا رحمهم الله.
وحاصل المسألة راجع إلى أنَّ الدعوى هل هي شرط لقبول الشهادة على الطلاق فعلى جواب القياس: شرط والدعوى من المجهول لا تتحقّق، وعلى جواب الاستحسان الدعوى ليس بشرط؛ لأنّها قامت على تحريم الفرج وحرمة الفرج حقّ الله تعالى، بدليل أنّه لا تزول الحرمة بإباحتها وبذلها، والشهادة على حقّ الله تعالى تقبل بدون الدعوى، كالشهادة على الزنا، وإذا لم تكن الدعوى شرطاً لقبول الشهادة على الطلاق استحساناً لم يكن جهالة المطلقة مانعة قبول الشهادة؛ لأنّه ليس في قبول جهالة المطلقة إلا عدم الدعوى، والدعوى ليس بشرط على جواب الاستحسان.
وإذا شهد الشهود على رجل أنّه طلق فلانة، فقالت امرأته: ما طلقني وقال الزوج: ليس اسمها فلانة، وشهد الشهود أنَّ اسمها فلانة والطلاق ثلاث، فإنّه ينبغي للقاضي أن يفرق بينهما بناءً على ما قلنا: أنّ الشهادة على الطلاق تقبل من غير الدعوى استحساناً، فإذا قبلت الشهادة وقد ثبت أنّ له امرأة بالاسم الذي سمّاها به وقع الطلاق عليها، وكذلك هذا في عتق الأمة.
إذا شهد الشهود أنّه أعتق فلانة وشهد الشهود أنّ اسم مملوكته فلانة، وقالت فلانة لم يعتقني، فإنَّ القاضي يقضي بالعتق، وإذا شهد شاهدان على تطليقة وشهد آخر على تطليقتين أو على ثلاث تطليقات لم تقبل هذه الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند أبي يوسف ومحمّد رحمهما الله تقبل الشهادة على تطليقة واحدة، وهو نظير ما لو شهد أحد الشاهدين بألف وآخر شهد بالألفين والمدعي يدعي الألفين لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله أصلاً، على ما يأتي بيانه في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى.
وإذا شهد أحدهما أنّه طلقها إن دخلت الدّار وقد دخلت، وشهد الآخر أنّه طلقها إن كلّمت فلاناً وقد كلّمت فشهادتهما باطلة؛ لأنهما شهدا بيمينين مختلفين، وكذا إذا شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثاً، وشهد الآخر أنّه قال لها: أنتِ عليّ حرام ينوي الطلاق، فشهادتهما باطلة أيضاً.
وكذا إذا شهد أحدهما بالخليّة، والآخر بالبريّة، أو شهد أحدهما بنيّة، وشهد الآخر بالبائن فشهادتهما باطلة، وكذا لو شهد أحدهما أنّه قال: إن دخلت فلانة وفلانة الدّار فهما طالقتان، وشهد الآخر أنّه قال: إن دخلت فلانة الدّار فهي طالق فشهادتهما باطلة.
ولو شهد أحدهما أنّه قال لامرأته: إن دخلت الدّار فأنتِ طالق وفلانة معك، وشهد الآخر أنّه قال لها: إن دخلت الدّار فأنتِ طالق، فإنّه تقبل الشهادة على طلاقها ولا تقبل