وإذا جعل الولاية إلى رجل ومات ذلك الرجل حال حياة الواقف، فالأمر في نصب القيم إلى الواقف يقيم من أحب؛ لأن العين في الصدقة الموقوفة، وإن زال عن ملكه حقيقة فهو باقٍ على ملكه حكماً، ألا ترى أنه جعل متصدقاً شرعاً بكل ما يحدث من الغلة كأنها حدثت على ملكه، وجعل هو متصدقاً لها صدقة جديدة؟ فدل أنها مبقاة على ملكه حكماً فيعتبر بما لو كانت مبقاة على ملكه حقيقة وهناك التدبير في التصرف وفي نصب المتصرف إليه لا إلى القاضي كذا ههنا، هكذا ذكر المسألة في «أصل الوقف» وفي «السير الكبير» وقال محمد رحمه الله: القاضي أولى بنصب قيم آخر، وإن مات القيم بعدما مات الواقف، فإن كان القيم قد أوصى إلى غيره فوصيه بمنزلته، وإن كان لم يوص إلى غيره فولاية نصب القيم للقاضي، ولا يجعل القيم من الأجانب ما دام يوجد من ولد الواقف وأهل بيته من يصلح لذلك لأنه أشفق على الوقف من الأجنبي به، وإن لم يوجد من ولد الواقف وأهل بيته من يصلح لذلك، جعل القيم من الأجانب في هذه الصورة ثم صار فيهم من يصلح لذلك صرفه إليه، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الوقف، وبعض مشايخنا ذكروا في شروحهم: أنه لا يصرف إليه إلا إذا كان الواقف شرط ذلك في الوقف.
المتولي إذا أراد أن يفوض إلى غيره عند الموت بالوصية يجوز، بمنزلة الوصي عند الموت، وللوصي أن يوصي إلى غيره، وإذا أراد أن يقيم غيره مقام نفسه (في) وصيته وصحته، لا يجوز إلا إذا كان التفويض إليه على سبيل العموم.
[الفصل السابع: في تصرف القيم في الأوقاف]
وهو أنواع: منه (ما) رجع إلى عمارة الوقف: رجل وقف أرضاً له على المساكين وقفاً صحيحاً ولم يذكر عمارتها في غلة هذه الأرض فهذا القيم أو لا من الغلة بعمارتها وما يصلحها (٨أ٣) وما فضل من ذلك يقسم على الفقراء، وهذا لأن العمارة وإن لم تكن مشروطة في الوقف نصاً فهي مشروطة اقتضاء، لأن مقصود الواقف إدرار الغلة مؤبداً على المساكين، وهذا المقصود إنما يحصل بإصلاحها وعمارتها، فهي معنى قولنا: إن العمارة مشروطة اقتضاء ثابت بطريق الضرورة والضرورة تندفع بشرط العمارة من غلة هذه الأرض، فلهذا كانت العمارة في غلة هذه الأرض، فإن كان في أرض الوقف نخلة فخاف القيم هلاكها كان له أن يشتري من غلتها فصلاً فيغرسه، لأن النخل بنسله على امتداد الزمان فتهلك فينقطع ثمرها فكان إبقاؤها بالغرس مكانها حتى يبقى خلفاً عن سلف، وهو نظير الدار الموقوفة كرم ما استرم منه بإدخال خشبته ولبن ونحوها حتى لا يخرب، فإن كانت قطعة من هذه الأرض سبخة لا تنبت شيئاً فيحتاج الي كشح وجهها وإصلاحها حتى تنبت، كان للقيم أن يبدأ من غلة جملة الأرض بمؤنة إصلاح تلك القطعة؛ لأنها إذا صلحت كبرت الغلة فكان أنفع للفقراء.