قال: إذا أراد القيم أن يبني فيها قرية ليسكن أهلها وحفاظها ويحرز فيها الغلة لحاجته إلى ذلك كان له أن يفعل ذلك، لأن هذا من جملة مصالح الوقف، وهذا كالخان الموقوف على الفقراء إذا احتيج فيه إلى خادم يكشح الخان ويفتح الباب ويسده، فسلم المتولي إلى رجل بعض البيوت بطريق الأجرة له ليقوم بذلك فهو جائز وطريقه ما قلنا كذا ههنا.
وإن أراد أن يبني فيها بيوتا يصلها بالإجارة فهذه المسألة في الحاصل على وجهين: إن كانت أرض الوقف متصلة ببيوت المصر يرعب في استئجار بيوتها ويكون غلة ذلك فوق غلة الأرض والنخل كان له ذلك، وإن كان أرض الوقف بعيداً عن المصر، ولا يرغب في استئجار بيوتها بأجرة تزيد منفعتها علي منفعة الزراعة فليس له ذلك والوجه في ذلك أن الواقف ما عين جهة الاستغلال نصاً لكن عين الاستغلال بالزراعة فيجب العمل بهذا الظاهر ما لم يوجد جهة أخرى في حق الفقراء؛ لأنا نعلم قطعاً أن غرض الواقف من الوقف إنفاع الفقراء، ففي الوجه الأول وجدنا جهة أخرى هي أنفع في حق الفقراء من الزراعة، فتركنا هذا الظاهر تحصيلاً لغرض الواقف بأبلغ الوجوه، وقد روي عن محمد ما هو أبعد من هذا، فإنه قال: إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال والقيم يجد بثمنها أرضاً أخرى هي أكثر ريعاً كان له أن يبيع هذه الأرض وثم يشتري بثمنها ما هو أكثر ريعاً، فأما في الوجه الثاني لم نجد جهة أخرى هي أنفع في حق الفقراء من الزراعة، فعملنا فيه بالظاهر، فلم يكن القيم في هذه الصورة مأذوناً بالبناء والاستغلال بالإجارة، فلا يكون له أن يفعل ذلك.
وإذا قال: داري هذه صدقة موقوفة على الفقراء على أن سكناها لفلان ما عاش، فإذا مات فلان سكانها لفلان آخر ما عاش، فإذا مات فلان فعلى الفقراء، فهذا وقف صحيح، وإذا صح الوقف واحتيج إلى العمارة (فالعمارة) على من يستحق الغلة كما في الباب الأول إلا أن في الباب الأول المستحق للغلة الفقراء، وهم قوم كثر لا يمكن مطالبتهم بالعمارة، فقلنا: بأن القيم يبدأ من الغلة بالعمارة، وههنا المستحق للغلة شخص معين يمكن مطالبته بالعمارة وهو الأول ما عاش وبعده الثاني، فلا يحبس شيء من الغلة لأجل العمارة بل تصرف كل الغلة إلى الأوقاف ويطالب بالعمارة، وله أن يعمرها من أي مال شاء، وإنما المستحق العمارة بقدر ما يبقى الوقت على الصفة التي وقفه المالك، ولا يطالب بالزيادة إلا أن يرضى فلان بالزيادة فحينئذ يكون تبرعا بالزيادة وله ذلك.
ولو كانت الغلة مصروفة إلى الفقراء وكان في زيادة العمارة زيادة في الغلة، ورأى القيم أن يزيد في العمارة لتزيد الغلة، اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا له ذلك وقاسوه بمسألة هذا أن أرضي أوقفت على الفقراء إذا كانت متصلة ببيوت المصر، فأراد القيم أن يبني فيها بيوتاً يستغلها بأجر فله ذلك وفيه صرف الغلة إلى زيادة العمارة من غير ضرورة، ومنهم من قال: ليس له ذلك؛ لأن صرف الغلة إلى العمارة ثبت ضرورة في الزيادة فوجب صرف الغلة إلى مصرفها وهو الفقراء، وهذا لأن المستحق على القيم العمارة بقدر ما تبقى