تفسير ولاء الموالاة أن يسلم الرجل على يدي رجل فيقول للذي أسلم على يديه أو لغيره واليتك على أني إن مت فميراثي لك وإن جنيت فعقلي عليك وعلى عاقلتك وقبل الآخر منه فهذا هو نفس ولاء الموالاة، وإذا جنى الأسفل جناية فعقله على عقلة المولى الأعلى.
وإن مات الأسفل يرثه الأعلى، وإن مات الأعلى لا يرث الأسفل منه ولا تثبت هذه الأحكام بمجرد الإسلام بدون عقد الموالاة إلا على قول الروافض. ومولى الموالاة مؤخر عن العصبات وعن ذوي الأرحام بخلاف مولى العتاقة، فإنه مقدم على ذوي الأرحام، والقياس أن يكون مولى العتاقة مؤخر عن ذوي الأرحام، كما هو مذهب علي رضي الله عنه لأن المعتق بمنزلة الغريب وبمنزلة الأجنبي من وجه من حيث إنه أحياه حكماً لا حقيقة، وذو الأرحام قريب له من كل وجه فينبغي أن يكون القريب من كل وجه مقدم، لكن تركنا القياس في مولى العتاق بالنص؛ والنص الوارد في مولى العتاقة لا يكون وارداً في مولى الموالاة؛ لأن مولى الموالاة دون مولى العتاقة لأنه وجد من مولى العتاقة واجباً من حيث الحكم إن لم يوجد من حيث الحقيقة ولم يوجد من الذي قبل عقد الولاء الإحياء أصلاً، ولأن ولاء العتاقة لا يحتمل الفسخ، وولاء الموالاة يحتمل الفسخ.
وإذا مات الأسفل والأعلى ميت فميراث الأسفل لأقرب الناس عصبة إلى الأعلى، كما في ولاء العتاقة ولكل واحد منهما أن ينقض عقد الموالاة بمحضر صاحبه وليس له ذلك بغير محضر من صاحبه وإنما كان كذلك لأن فسخ أحدهما هذا العقد بغير محضر من صاحبه يؤدي إلى الضرر لصاحبه، أما إذا كان الفسخ من الأسفل فلأنه ربما يموت الأسفل فيجب الأعلى أن ماله صار ميراثاً له فيتصرف فيه فيصير مضموناً عليه، وأما إذا كان الفسخ من الأعلى فلأنه ربما يعتق عبيداً على حياته عقل عبيده على مولاه.
ولو صح الفسخ يجب العقل عليه فينصرف لأجل هذا العبد المعنى. شرط أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله في المشروط له الخيار حضرة صاحبه لصحة الفسخ. وأبو يوسف فرق بين مسألتنا وبين المشروط له الخيار فإن في المشروط له الخيار لم يشترط حضرة صاحبه لصحة الفسخ. وهاهنا شرط حضرة صاحبه لصحة الفسخ، والفرق له أن المشروط له الخيار بحكم الخيار صار متسلطاً من جهة صاحبه على الفسخ فما يلحقه من الضرر يصير راضياً.
وهاهنا لم يوجد من كل واحد منهما تسليط لصاحبه على الفسخ إذ الموجود ليس إلا عقد الموالاة، والعقد يمنع الفسخ فكيف يوجب التسليط على الفسخ، وإذا لم يصر على كل واحد منهما مسلطاً على الفسخ من جهة صاحبه فما يلحقه من الضرر لسبب فسخ صاحبه لا يكون راضياً به، فلهذا افترقا.