العمل إذا لم يتم العقد على المذكور أولاً، بأن لم يذكر الأجر معه، فأما إذا تم العقد على المذكور أولاً بأن ذكر الأجر معه، ثم ذكر الثاني لا يفسد العقد عند أبي حنيفة سواء ابتدأ بذكر العمل أو بذكر المدة، (٢٠أ٤) .
وصورة ذلك إذا قال للخباز: استأجرتك اليوم بدرهم على أن تخبز لي كذا، أو قال: استأجرتك على أن تخبز لي كذا بدرهم اليوم، فهذه الإجارة جائزة عند أبي حنيفة في الوجهين جميعاً، ولو قال: استأجرتك اليوم على أن تخبز لي كذا بدرهم، أو قال: استأجرتك على أن تخبز اليوم كذا بدرهم فهذه الإجارة عند أبي حنيفة لا تجوز في الوجهين جميعاً؛ وهذا لأنه إذا لم يذكر الأجر مع الأول وإنما ذكر الأجر بعد ذكرهما فقد قابل الأجرتين كل واحد منهما يصلح معقوداً عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر، فكان المعقود عليه مجهولاً يفسد العقد عنده، وأما إذا ذكر الأجر مع الأول، فقد تم العقد وتعين الأول مراداً من العقد بتمام العقد فالثاني لا يصلح من إجماله، ويكون ذكر الثاني إما لتعيين العمل أو للتعجيل فلا يفسد العقد عنده.
وروى محمد عن أبي حنيفة: أنه إذا قال: في اليوم تجوز كيف ما كان بخلاف ما إذا قال: اليوم، وهذا لأن بقوله في اليوم يظهر أن مراده من ذكر المدة للاستعجال؛ لأن في الظرف والمظروف قد يستعمل جزءاً من الظرف لا جميعه، فلم يصلح ذكر اليوم مع حرف في تقدير العمل به.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: إذا تقبل الرجل من رجل طعاماً على أن يحمله من موضع إلى موضع إلى اثنى عشر يوماً بكذا، فلم يحمله في اثنى عشر يوماً بل حمله في أكثر من ذلك قال: لا يلزمه الأجر، كمن استأجر رجلاً على أن يخيط ثوبه في يومه بدرهم فخاطه في الغد، وهذا الجواب مستقيم على قول أبي حنيفة غير مستقيم على قولهما؛ لأن من أصلهما: أن العقد في مثل هذا يقع على العمل دون الوقت.
[الفصل السابع: في إجارة المستأجر]
قال محمد رحمه الله: وللمستأجر أن يؤاجر البيت المستأجر من غيره، فالأصل عندنا: أن المستأجر يملك الإجارة فيما لا يتفاوت الناس في الانتفاع به؛ وهذا لأن الإجارة لتمليك المنفعة والمستأجر في حق المنفعة قام مقام الآجر، وكما صحت الإجارة من الآجر تصح من المستأجر أيضاً فإن أجره بأكثر مما استأجره به من جنس ذلك ولم يزد في الدار شيء ولا أجر معه شيئاً آخر من ماله مما يجوز عند الإجارة عليه، لا تطيب له الزيادة عند علمائنا رحمهم الله وعند الشافعي تطيب له الزيادة.
حجته في ذلك: أن هذا ربح بما قد ضمن فيطيب له كما في بيع العين.
فإنه إذا اشترى شيئاً فباعه بأكثر مما اشترى بعد القبض فإنه يطيب له الربح لأنه ربح؛ بما قد ضمن فكذلك هاهنا.