بيانه فيما ذكر في آخر باب إجارة البناء: إذا تكارى رجل رجلاً يوماً إلى الليل ليبني له بالجص والآجر جاز بلا خلاف، وإن جمع بين الوقت والعمل؛ لأنه ما ذكر العمل على وجه يجوز إفراد العقد عليه، فالعقد انعقد على المدة وكان ذكر البناء لبيان نوع العمل حتى لو ذكر العمل على وجه يجوز إفراد العقد عليه، بأن بين مقدار البناء لا تجوز الإجارة عند أبي حنيفة.
وفي آخر إجارات «الأصل» إذا استأجر الرجل رجلاً كل شهر بدرهم على أن يطحن له كل يوم قفيزاً إلى الليل فهو فاسد، ذكر المسألة من غير ذكر خلاف وهذا الجواب مستقيم على قول أبي حنيفة؛ لأنه جمع بين الوقت وبين العمل وكل واحد منهما يصلح معقوداً عليه حالة الانفراد مشكل على قولهما، فقد ذكرنا قبل هذا في جنس هذه المسألة أن على قولهما العقد جائز.m
فمن مشايخنا من قال بهذه المسألة ثبت رجوعهما إلى قول أبي حنيفة إذ لا يتضح الفرق بين هذه المسألة وبين تلك المسائل، ومنهم من قال: ما ذكر في هذه المسألة قياس قولهما، وما ذكر فيما تقدم استحسان على قولهما، إذ لا فرق بين هذه المسألة وبين تلك المسائل والله أعلم.
قال محمد رحمه الله في «إملائه» : قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا اكترى إبلاً إلى مكة على أن يدخله إلى عشرين ليلة كل بعير بعشرة دنانير، ولم يزد على هذا فالإجارة جائزة فإن وفى بالشرط أخذ الأجر الذي شرط وإن لم يفي بالشرط فله أجر مثله لا يزاد على ما شرط له، وهو قول أبي يوسف ومحمد.
وروى بشر عن أبي يوسف: في الرجل يستأجر الدابة إلى الكوفة أياماً مسماة أو قال استأجرتك اليوم لتخيط هذا القميص، فالعقد فاسد في رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة تخالف رواية محمد عنه.
قال الكرخي: وليس في المسألتين اختلاف الرواية، وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع موضوع رواية محمد أنه ابتدأ بذكر العمل والمسير فيكون المقصود هو العمل وذكر المدة بعد ذلك للاستعجال، فكان المعقود عليه معلوماً وهو العمل فيجوز على قول أبي حنيفة رحمه الله فبعد ذلك إذا عجل فقد وفى بالشرط فاستحق المسمى، وإذا لم يعجل فلم يف بالشرط فيجب أجر المثل وموضوع رواية محمد أنه ذكر المدة أولاً فعلم أن المدة مقصودة بالعقد، وذكر العمل وأنه يصلح مقصوداً أيضاً فكان المعقود عليه مجهولاً عند أبي حنيفة فلم يجز.
وقد ذكرنا في أول هذا الفصل مسألة «الجامع الصغير» : وهي ما إذا استأجر خبازاً ليخبز له هذه العشرة المحاسيم دقيق هذا اليوم أنه فاسد على قوله، وإن ابتدأ بذكر العمل، فعلم أن ما ذكره الكرخي ليس بصحيح، وأن في المسألة روايتين على قول أبي حنيفة.
وقد قيل: الفتوى على قول أبي حنيفة على الفساد سواء ابتدأ بذكر المدة أو بذكر