تنعقد العارية بلفظ التمليك؛ حتى أن (١٣١ب٢) من قال لغيره: ملكتك منفعة داري هذه شهراً؛ جعلت لك سكنى داري هذه شهراً؛ كانت عارية، وكذلك إذا قال: داري لك سكنى كانت عارية؛ لأن قوله لك: يحتمل تمليك العين، وتمليك المنفعة، وقوله سكنى يكون تفسيراً لذلك المحتمل، وكذلك إذا قال: عمرتي سكنى كانت عارية لما قلنا، وإذا استعار من آخر أرضاً على أن يبني فيها ويسكنها ما بدا له، فإذا خرج فالبناء لصاحب الأرض، فهذا لا يكون إعارة؛ بل يكون إجارة فاسدة؛ وهذا لأن الإعارة تمليك المنافع بغير عوض، ولما شرط البناء لرب الأرض، فقد شرط العوض، وهذا هو معنى الإجارة، والعبرة للمعاني دون الألفاظ؛ ألا ترى أن من قال لغيره: وهبت لك هذه الدار بألف درهم بيعاً، واعتبر المعنى دون اللفظ؛ كذا ههنا.
[الفصل الثالث في التصرفات التي يملكها المستعير في المستعار والتي لا يملك]
ليس للمستعير أن يؤاجر المستعار من غيره، وإذا آجر صار ضامناً، وكان الأجر له، ويتصدق به في قول أبي حنيفة ومحمد، وله أن يعير من غيره؛ سواء كان شيئاً يتفاوت الناس في الانتفاع أو لا يتفاوت؛ إذا كانت الإعارة مطلقة، ولم يشترط على المستعير أن ينتفع بنفسه، فأما إذا شرط على المستعير أن ينتفع بنفسه، فله أن يعيرها فيما لا يتفاوت الناس في الانتفاع، وليس له أن يعير فيما يتفاوت الناس في الانتفاع به.
هذا إذا استعار من آخر ثوباً ليلبسه المستعير بنفسه، أو دابة ليركبها المستعير بنفسه، فليس له أن يلبس غيره، وأن يركب غيره؛ لأنه شرط لبسه وركوبه، وهذا شرط مفيد في حق المالك؛ لأن الناس يتفاوتون في اللبس والركوب.
ولو استعار داراً ليسكنها المستعير بنفسه؛ فله أن يسكنها غيره، وإن شرط سكنى المستعير؛ لأن هذا شرط غير مفيد؛ لأن الناس لا يتفاوتون في السكنى، ولو استعار ثوباً للبس ولم يسم اللابس، أو استعار دابة للركوب ولم يسم الراكب، فله أن يلبس ويركب غيره عملاً بإطلاق العقد، فإن ألبس غيره في هذه الصورة، أو أركب غيره، ثم ركب بنفسه أو لبس بنفسه، أو ركب بنفسه، ثم أركب غيره؛ ظاهر ما ذكر شمس الأئمة السرخسي، وشيخ الإسلام خواهر زاده، أنه لا يضمن.
ونص فخر الإسلام علي البزدوي في شرح «الجامع الصغير» : أنه يضمن، وهل له أن يودع؟ اختلف المشايخ فيه؛ قال بعضهم: ليس له أن يودع، وإليه أشار في كتاب الوديعة، فإنه قال ثمة: إذا رد المستعير الدابة على يدي أجنبي فضاعت ضمن، ولو ملك الإيداع لما ضمن.