في «المنتقى» : ابن سماعة عن أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة رحمه الله لا يرى القسمة على ما كان يصنع ابن أبي ليلى، ولكنه يقوّم الزراع من الأرض دراهم، ويقوّم البناء دراهم، ويقوم الجذوع دراهم.
وكذلك في الأرض والشجر يقسمهما: يعطى كل إنسان ما أصابه، فإن كان في يده فضل أخذه، وإن نقص زاده حتى يوفيه. في «الأصل» كان أبو حنيفة رحمه الله يقول في العلو الذي لا سفل له، وفي السفل الذي لا علو له بأن كان علو مشترك بين رجلين، وسفل لرجل آخر، وسفل مشترك بين هذين الرجلين، وعلوه لآخر، تجب القسمة ذراع من السفل بذراعين من العلو.
وقال أبو يوسف: يحسب العلو بالنصف والسفل بالنصف. وقال محمد رحمه الله: يقسم على قيمة السفل والعلو، فإن كان قيمتهما على السواء يحسب ذراع بذراع، وإن كان قيمة إحداهما ضعف قيمة الآخر يحسب من الذي قيمته على الضعف ذراع بذراعين من الآخر حتى يستويا في القيمة.
قيل: إن أبا حنيفة أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل الكوفة في اختيار السفل على العلو في السكنى، وأبو يوسف أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل بغداد في التسوية بين العلو والسفل في منفعة السكنى، ومحمد رحمه الله شاهد اختلاف العادة في ذلك في البلدان، فقال: يقسم على القيمة.
وقيل: هذا بناء على أن عند أبي حنيفة لصاحب السفل منفعتان، منفعة بظاهره ومنفعة بباطنه بأن يحفر في السفل سرداباً، فإن له ذلك إذا لم يضر بالعلو، ولصاحب العلو منفعة واحدة، وهو أن يسكن فيه أما ليس له أن يبنى على علوه يقال ضرّ بصاحب السفل أو لم يضر، فكان ذراعاً من السفل بذراعين من العلو من هذا الوجه، أو نقول: العلو ينتفع في حالة واحدة وهي حالة قيام السفل، والسفل ينتفع في حالتين، حالة قيام العلو وحالة قوامه، فكان قوامه مكان منفعة العلو على نصف منفعة السفل فصار ذراع من السفل بذراعين من العلو لهذا.
وعندهما لصاحب العلو أن يتصرف في علوه تصرفاً لا يضر بصاحب السفل، كما أن لصاحب السفل أن يتصرف في سفله تصرفاً لا يضر بصاحب العلو فاستويا في المنفعة، قال أبو يوسف رحمه الله بعد هذا: إذا استويا في المنفعة يجعل ذراع من السفل بذراع من العلو، وقال محمد رحمه الله: مع أنهما استويا في المنفعة تعتبر القيمة في القسمة، لأن في بعض البلدان يكون السفل أكثر قيمة، وفي بعض البلدان يكون العلو أكثر قيمة. (٢أ٤)
وربما يختلف ذلك باختلاف الأوقات، فلا تتبين المعادلة إلا بالقيمة.