وغيره من المشايخ قالوا: لا، بل تكره قسمة الخمور وحدها للمسلم؛ لأن العمل بالشبهين في قسمة الخمر ممكن بإثبات الكراهة، ومعنى الكراهة ههنا بين الحرام المطلق والحرام المحض؛ لأنها لو كانت إفرازاً من كل وجه كانت حلالاً، ولو كانت مبايعة من كل وجه كانت حراماً، فإذاً كانت مبايعة حقيقية من وجه إفرازاً حكماً بين الحلال المحض والحرام المحض.
وأما القسمة في غير ذوات الأمثال فشبه المبادلة فيها راجح؛ لأنها إفراز حكماً من وجه، ومن حيث الحقيقية هي مبادلة من كل وجه، وأما الحقيقة فظاهر.
وأما الحكم؛ فلأن نصف ما يأخذ كل واحد منهما مثل لما ترك على صاحبه باعتبار القيمة وأخذ المثل كأخذ العين حكماً، فكان إفرازاً إلا أن ما يأخذ كل واحد منهما، ليس بمثل لما ترك على صاحبه بيقين، لأن المقسوم ليس من ذوات الأمثال، فلا تثبت المعادلة بيقين، فالإفراز مع المبادلة استويا في الحكم، ثم ترجحت المبايعة بالحقيقة؛ وهذا لأن الحقيقة وإن كانت لا تصلح حلاً لمقابلة الحكم بنفسها، لكنها تصلح للترجيح، ولهذا كره بيع المرابحة لأن الرجحان للمبايعة في غير ذوات الأمثال، فيكون مشترياً نصف ما أخذ بثلث ما ترك على صاحبه من الثياب.
فإذا قال: اشتريت بالدراهم كان ذلك منه جناية، فإن قيل لو كان الرجحان في هذه القسمة للمبايعة لكان لا يجبر الآتي عليها، وبالإجماع يجبر، وكذلك لا يثبت حكم الغرور فيها، حتى إن الشريكين إذا اقتسما داراً أو أرضاً بينهما، وبنى أحدهما في نصيبه بناء، ثم جاء مستحق واستحق الطائفة التي بنى فيها ونقض بناءه لا يرجع على صاحبه بقيمة البناء.
ولو كان الرجحان لجانب المبايعة لثبت الغرور، كما لو اشترى.
قلنا: الجبر على هذه المبايعة لينقطع ارتفاق الآتي بملك صاحبه، ويجوز أن يجرى الجبر على المبايعة باعتبار حق مستحق للغير.
ألا ترى: أن المشتري يجبر على تسليم الدار إلى الشفيع، وإن كان التسليم إليه مبايعة إنما يجبر لحق الشفيع، وألا ترى أن المديون يحبس حتى يبيع ماله ويقضي الدين، فيجريان الجبر عليها لا تبقى كونها مبايعة، وأما الثاني، فقلنا: إنما لا يثبت الغرور؛ لأن كل واحد منهما مضطر في هذه المبايعة.
لأنه يحتاج إلى تخليص حقه، يمنع صاحبه عن الارتفاق بملكه، ولا يمكنه ذلك إلا بهذه المبايعة لإحياء حقه، والجبر كما يثبت بالإكراه يثبت بالحاجة إلى إحياء الحق، كصاحب العلو إذا بنى السفل، وإذا كان مجبراً على هذه المبايعة لا يثبت فيها حكم الغرور، كالشفيع إذا أخذ الدار من المشتري بقضاء القاضي، والله أعلم.