دنانير أو تبر في وقت حاجتهم إلى النفقة أو ثياب لبسوها للكسوة، أو طعام أكلوه، أما سوى ذلك من الأموال إذا باعوها لحاجتهم إلى النفقة فقد مرَّ تفاصيل ذلك، وإذا فقد المكاتب، وترك أموالاً لأهله يؤدي مكاتبه من تركته؟ ينظر إن كان ما ترك المكاتب من خلاف جنس ما عليه؛ لا يؤدي، وإن علم القاضي بوجوب الدين عليه؛ لأنه لا يمكنه القضاء إلا بالبيع.
وولاية القاضي في مال المفقود مقصورة على الحفظ اتفاقاً عليه، والبيع ليس من قبيل ذلك، وإن كان ترك المكاتب من جنس المكاتبة وعلم القاضي بوجوب الدين عليه؛ فإن كان لهذا المكاتب ابن حرّ مات هذا الابن وترك ورثةً قسم ماله بين ورثته، ولم يحبس للمكاتب شيئاً؛ لأن المكاتب لا يرث شيئاً من ابنه فلا يكون للتوقف فائدة، وإذا كان المفقود قد باع خادماً قبل أن يفقد، فطعن المشتري بعيب، وأراد أن يرد على ولد المفقود فليس له ذلك؛ لأن الولد ليس بمالك ولا عاقد، ولا نائب عمن هو مالك أو عاقد، ولا رد على غير مولاه، وإن استحق هذا الخادم من يد المشتري، فالقاضي هل يوفي عنه من ماله؟ إن كان ماله من جنس الثمن يوفي إذا علم وجوب الثمن عليه؛ لأن الخادم لما استحق من يد المشتري صار الثمن ديناً له على المفقود، فصار الجواب فيه كالجواب في سائر الديون.
[الفصل الثالث في الخصومة في الميراث، وفي الورثة مفقود]
إذا مات الرجل وترك ابنتين وابناً مفقوداً، ولهذا الابن المفقود ابن وابنة، والتركة في يد الابنتين، والكل مقرون بأن الابن مفقود، واختصموا إلى القاضي، فإن القاضي لا ينبغي له أن يحرك المال عن موضعه؛ هكذا ذكر في «الأصل» ، ومعنى قوله القاضي لا يحرك المال عن موضعه: لا يشرع القاضي سبباً من يد الابنتين؛ لأن النصف مما في أيديهما صار ميراثاً لهما بموت أبيهما بيقين؛ لأن المفقود إذا كان حياً فلهما هذا القدر، وإن كان ميتاً فلهما الثلثان، فالنصف لهما بيقين والنصف الآخر لا خصم له؛ لأن ورثة المفقود لا يدعون ذلك لأنفسهم ولا يكونون خصماً عن المفقود؛ لأنه لا يدرى أنه حي أو ميت، ولا يزال بصاحب اليد إلا بمحضر من الخصم بخلاف مال المفقود الذي يعلم أنه له؛ لأن حق أولاده ثابت في ذلك المال باعتبار ملكه، فإنهم يستحقون النفقة في ملكه، واستصحاب المال يكفي لإبقاء ما كان على ما كان.
وكذلك إذا قال الإنسان: قد مات أخونا، وقال ولد الابن: هو مفقود؛ لأن من في يديه المال إقرار لدى الابن بنقض ذلك وقد رد ولد الابن إقرارهما بقولهما أبونا مفقود، ولو كان مال الميت في يدي ولدي الابن المفقود وطلب الابنان ميراثهما واتفقوا أن الابن مفقود، فإنه يعطي لهما النصف؛ لأنهما يدعيان بنصف ما في يدي ولدي المفقود، وقد صدقا في ذلك فيعطيان النصف لهما من ذلك، والنصف الآخر يترك على يدي ولدي