للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الرابع عشر في المال الذي يتوى، ثم يقدر عليه]

إذا كان لرجل على غيره دين، وهو جاحد، فإن لم يكن لرب الدين بينة عادلة على الدين، فإنه لا يكون نصاباً عند علمائنا الثلاثة، وهذه المسألة في الفقه تسمى مال الضمار، ومال الضمار كل مال بقي أصله في ملكه، ولكن زال عن يده زوالاً يرجى عوده في الغالب، والأصل فيه أثر علي رضي الله عنه: لا زكاة في مال الضمار، وفسر الضمار بما ذكرنا.

والمعنى في ذلك أن المال إنما ينعقد نصاباً باعتبار معنى التجارة، ومنفعة التجارة تزول إذا صار المال ضماراً بخلاف ابن السبيل؛ لأن منفعة التجارة لا تزول في حقه، وأما إذا كانت له بينة عادلة، ذكر في «الأصل» أنه ينعقد نصاباً، وسوّى بين الإقرار والبينة، وذكر في «الجامع الصغير» أنه لا ينعقد نصاباً.

والمذكور في «الجامع الصغير» : رجل له على آخر دين جحدها سنين، ثم أقام البينة عليه لا يزكها لما مضى.

من مشايخنا من قال: ما ذكر في «الجامع الصغير» ، تأويله: إذا لم يكن صاحب المال عالماً بأن كان له بينة عادلة، لأنه نسيها، ثم ينكر، أو يكون تأويله: أنه لم يكن له بينة من الابتداء، ثم صار له بينة بأن أقر المديون بين يدي الشهود بعدما جحدها، فأما إذا كان له بينة عادلة من الابتداء، وهو عالم بها، فإنه ينعقد نصاباً، ولزمه زكاة ما مضى، كما ذكر في «الأصل» ؛ لأنه تمكن من أخذه بواسطة إقامة البينة، فإذا لم يقمها، فهو الذي قصر في حق نفسه، فلا يعذر فيه، ومن مشايخنا من قال: لا ينعقد نصاباً على كل حال كما ذكر في «الجامع الصغير» ، وذكر هشام في «نوادره» عن محمد رحمه الله ما يؤيد قول هؤلاء، فقال: لا زكاة عليه فيما مضى، وإن كانت له بينة عادلة، وهو يقدر على أن يقضيها؛ لأنه لا يتمكن من أخذها إلا بعد القضاء بالبينة، ولا قضاء بالبينة إلا بعد العدالة، ولا كل شاهد يعدل، ولا كل قاضي يعدل.

قال الكرخي في «كتابه» : وإن كان القاضي يعلم بالدين، فعليه زكاة ما مضى؛ لأن القاضي يقضي بعلمه لا محالة كان التمكين من الأخذ ثابتاً، ولا كذلك البينة، والعبد الآبق الذي لا يعلم مكانه، والمغصوب، والغال، والمفقود، والذي غلب العدو عليه، ثم أصابه المسلمون، والمال المدفون في الصحراء إذا نسي المالك مكانه، فهذه الأموال لا تنعقد نصاباً عند علمائنا الثلاث لفوات معنى التجارة فيها، لتعذر الوصول إلى جميع ذلك فيما مضى لا يصنع من جهته، وإن كان المال مدفوناً في بيته وداره، ونسيه، فعليه زكاة ما مضى؛ لأن الوصول إليه غير متعذر؛ لأنه يمكن حفر جميع البيت والدار بخلاف ما إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>