للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبرة في هذا الباب القدرة على الانتفاع بما هو المطلوب من العين، والدار لا تتخذ لدخول الغلمان وخروجهم منها ولربط الدواب فيها، وإنما تتخذ للسكنى فيها، فما لم يشهدوا بذلك لم يشهدوا باليد عليها والله اعلم.

[الفصل الحادي والعشرون: في الاختلاف الواقع بين الشاهدين]

قال محمد رحمه الله في كتاب الغَصْب: وإذا ادعى رجل جارية في يدي رجل، وجاء بشاهدين شهد أحدهما أنها جاريته غصبها منه هذا، وشهد الآخر أنها جاريته، ولم يقل غصبها منه هذا قبلت شهادتهما لأنهما شهدا جمعاً بمطلق الملك إلا أن أحدهما (شهد) أنها جاريته، وشهد الآخر أنها كانت جاريته تقبل هذه الشهادة أيضاً ويقضى بالجارية للمدعي؛ لأنهما اتفقا على الملك له في الحال، لأن أحدهما شهد أنها له وهذا اللفظ للحال، والآخر شهد أنها كانت له، وما ثبت للمشهود له من الملك يبقى إلى أن يوجد المزيل، فقد اتفقا على الحال من هذا الوجه فتقبل شهادتهما.

وهذا بخلاف ما لو شهد أحدهما أنها كانت في يده، وشهد الآخر أنها في يده، فإنه لا تقبل هذه الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله، وقد شهدا له باليد في الحال.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : في الرجل يشهد له الشاهدان على رجل بمال فشهد أحدهما على ألف وخمسمئة، والمدعي يدعي الألف، فشهادة الذي شهد بالألف والخمسمئة باطلة، يجب أن يعلم بأن موافقة الشاهدين فيما شهدا به شرط جواز القضاء بشهادتهما، لأن القضاء إنما يجوز بالحجة، والحجة شهادة المثنى، فيما لم يتفقا على ما شهدا به لا توجد الحجة وهي شهادة المثنى، وبدون الحجة لا يقطع الحكم، وإذا ثبت أن الموافقة شرط كانت المخالفة مانعة للقبول.

فبعد ذلك نقول: إن كانت المخالفة بينهما في اللفظ دون المعنى تقبل الشهادة، وذلك نحو أن يشهد أحدهما على الهبة والآخر على العطية، وهذا لأن نفس اللفظ ليس بمقصود في الشهادة، بل المقصود ما تضمنه اللفظ، وهو ما صار اللفظ علماً عليه، فإذا وجدت الموافقة في ذلك لا تصير المخالفة فيما سواها.

جئنا إلى بيان حكم المسألة فنقول: لايخلو، إما أن يدعي المدعي أقل المالين ألف درهم أو يدعي أكثرهما ألفاً وخمسمئة، فإن ادعى أكثر المالين تقبل شهادتهما على الألف؛ لأنهما اتفقا على الألف لفظاً ومعنى، إلا أن أحدهما عطف عليه زيادة، فتقبل شهادتهما على ما اتفقا عليه وهو الألف، وانتفت الزيادة لتفرد أحد الشاهدين بها، وإن ادعى أقل المالين لا يقضى بشهادتهما أصلاً، لأن المدعي صار مكذِّباً أحد شاهديه، وهو الذي شهد بالأكثر، فلم يبق له إلا شاهد واحد فلا يقضى بهذه الشهادة إلا إذا وافق المدعي، فقال: كان لي على هذا المدعى عليه ألف وخمسمئة كما شهد به هذا الشاهد،

<<  <  ج: ص:  >  >>