الاحتمال الذي ذكرنا؛ لأن هناك القاضي لم يتيقن بزوال يدهما، بخلاف ما إذا كانت في يد ثالث.
وحقيقة الفقه في ذلك، وهو أن اليد إذا كانت ثابتة للغير بيقين، لا يجوز نقضها بحجة محتملة، فإذا كانت الدار في يد ثالث فاليد للمدعى عليه ثابتة بيقين، و (لا) حاجة إلى نقضها، ويد المدعي فيما مضى محتملة فلا يجوز نقض يد المدعى عليه الثابت بيد محتملة للمدعي فيما مضى، فأما إذا لم تكن الدار في يد ثالث، فليس في جعلها في أيدي المدعيين إبطال يد ثابتة بيقين، فكان القضاء بكونها في أيديهما، وقد قام لهما نوع دليل أولى من جعلها في يد الغير وليس عليه دليل.
وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله: في أجمة أو غيضة تنازع فريقان، كل فريق يدعي أنها له وفي يده، فشهد الشهود لأحد الفريقين أنها في يده، أو شهدوا لهما أنها في أيديهما فإن لم يسألهم القاضي عن تفسير ذلك، ولم يزيدوا عليه فهو مستقيم، وإن سألهم عن تفسير ذلك فهو أوثق وأحسن، وهذا لأن اليد على الأجمة إنما تعرف بالدليل، وعسى يرى الشاهد شيئاً يظنه دليلاً على اليد، ولا يكون دليلاً، فإن سأله ليزول الاشتباه فهو أحسن، وإن لم يسأله واكتفى به فله ذلك، لأن السؤال عسى يفضي إلى بطلان الشهادة مع كون الشاهد محقاً، ألا ترى أن الشهود لو شهدوا بالملك المطلق في العين أو الدين، وقضى القاضي بشهادتهم من غير أن يسألهم عن تفسير ذلك جاز، كذا ههنا.
ثم بيَّن ما تُعرف به اليد على الغيضة والأجمة فقال في الغيضة: إذا كان يقطعون الأشجار ويبيعونها، أو ينتفعون بها منفعة أقرب من هذا أو ما أشبهه، فهذا مما يستدل به على أنها في أيديهم، وقال في الأجمة: إذا كانوا يأخذون القصب ويقطعونها للصرف إلى حوائج أنفسهم أو للبيع أو ما أشبهه، فهذا مما يستدل به على أنها في أيديهم، وهذا لأن اليد في عرف لسان الفقهاء القدرة على التصرف من حيث الآلة واليد التي هي دليل الملك والقدرة على التصرفات التي تختص بالملك، يعني به: الانتفاع المطلوب من العين من غير منازع، فإذا شاهدنا قدرته على الانتفاع بالعين انتفاعاً بطلت من ذلك العين علمنا أن اليد الذي هو دليل الملك ثابت في حقه.
إذا ثبت هذا فنقول: الانتفاع المطلوب من الأجمة والغيضة الحطب والقصب لا الزراعة والسكنى، فإذا شاهدناهم يقطعون الشجر والقصب، ويصرفونه إلى حاجة أو يبيعونه أو ما أشبه ذلك من غير منازع، علمنا أن اليد الذي هو دليل الملك ثابت في حقهم.
قال محمد رحمه الله: وإذا تنازع الرجلان في دار، كل واحد منهما يدعي أنها في يده، فأقام أحدهما بيِّنة أنهم رأوا دابته في هذه الدار، ورأوا غلمانه يدخلونها ويخرجون منها، فالقاضي لا يقضي بيد الذي شهد له الشهود بما وصفنا حتى يقولوا: كانوا سكاناً فيها، وإذا قالوا ذلك قضيت بأنها في يد صاحب الغلمان والدواب، وهذا لما ذكرنا أن