والخلل الثالث ليس بصحيح؛ لأن أصل الوجوب في التركة، إلا أن للوارث ولاية استخلاص التركة بأداء الدين من مال نفسه، ولما كان أصل الوجوب في التركة تستقيم دعوى الأداء من التركة نظراً إلى الأصل.
[محضر فيه دعوى قبض العدليات بغير حق واستهلاكها]
صورته: هذا الذي حضر ادعى على هذا الذي أحضره معه أن هذا الذي أحضره قبض من هذا الذي حضر دراهم عدلية، وبين عددها وصفتها وجنسها بغير حق، واستهلكها، فواجب عليه أداء مثل هذه الدراهم العدلية إن كان يوجد مثلها، وأداء قيمتها إن لم يوجد مثلها، وقيمتها يوم القبض كان كذا واليوم كذلك، فظن بعض مشايخنا أن في هذه الدعوى نوع خلل من قبل أنه ذكر قبض هذه الدراهم بغير حق واستهلكها، ولم يذكر أنه استهلكها بغير حق، أو بغير أمر صاحبه، ويحتمل أن الاستهلاك كان بغير أمر المالك، ويحتمل أنه كان بأمره، واعترض على هذا القائل أن الاستهلاك إن كان لا يصلح سبباً لمكان الاحتمال، فالغصب السابق كافٍ، فيمكن إيجاب الضمان بالغصب السابق.
وقيل في الجواب عن هذا الاعتراض: بهذا لا يمكن إيجاب الضمان بالغصب السابق؛ لأنه يحتمل أن المالك رضي بقبضه الدراهم، والمالك إذا رضي بقبض الغاصب، وقد كان الغاصب قبض للحفظ يبرأ عن الضمان، ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله في كتاب «الصرف» .
وأكثر المشايخ على أن هذا الخلل المذكور في الحقيقة ليس بخلل، وجهه أن الغصب والقبض بغير حق في نفسه صلح لوجوب الضمان، وكذلك الاستهلاك في نفسه صلح سبباً لوجوب الضمان، إلا أن أمر المالك بالاستهلاك، وإجارته قبض الغاصب مبرىء له عن الضمان، وليس على المدعي أن يتعرض للمشتري عن الضمان نفياً وإثباتاً، إلا إذا ادعى المدعى عليه شيئاً من ذلك، فحينئذٍ يكون ذلك دفعاً لدعوى المدعي لا أن يشرط بيان ذلك على المدعي.h
ثم في هذه الدعوى لو لم يكن المدعي ذكر الاستهلاك في الدعوى إنما ذكر القبض بغير حق ينبغي أن يطلب من المدعى عليه أولاً تسليم عين تلك الدراهم؛ لأن الدراهم إذا كانت قائمة، وثبت قبضها بغير حق يجب على المدعي تسليم عينها، لما عرف أن الدراهم والدنانير تتعينان في المغصوب، فيطالب المدعي بتسليم عينها، فإن عجز عن تسليم عينها، فبتسليم مثلها، فإن لم يقدر على المثل، فبتسليم قيمتها.
ومن الأئمة من قال: ينبغي للمدعي أن يطالب المدعى عليه أولاً بإحضار تلك الدراهم ليقيم البينة عليها، ثم يطالبه بتسليمها إليه كما هو الحكم في سائر المنقولات. ولكن يقول: طلب الإحضار على الإطلاق غير مستقيم هاهنا بخلاف سائر المنقولات؛ وهذا لأن الإحضار إنما يطلب في المنقولات حتى إذا شهد الشهود، وأشاروا إلى المدعى