قول محمّد تقبل، والأصل أن شهادة الابن على فعل أبيه إذا كان للأب فيه منفعة لا تقبل بلا خلاف، وإذا لم يكن للأب فيه منفعة فهو على الخلاف، وستأتي المسألة مع أجناسها في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
[الفصل الثامن في تفويض العتق إلى غيره]
إذا (قال) لأمته: أمرك بيدك ينوي العتق، فهذا على المجلس، وكذلك إذا قال لأجنبي: أمر أمتي فلانة بيدك ينوي العتق، فهذا على المجلس. ولو قال لأمته: أعتقي نفسك، فهو على المجلس ولو قال لأجنبي: أعتق أمتي فلانة فهذا على المجلس وما بعده، والجواب في العتاق في هذا نظير الجواب في الطلاق، وكذلك إذا قال لأمته: أنتِ حرة إن شئت، تعتبر مشيئتها في المجلس حتى لو شاءت بعدما قامت عن المجلس لا يعتق، ولو قال لأمة من أمائة: أنتِ حرة وفلانة إن شئت، فقالت قد شئت نفسي لا تعتق؛ لأن قوله: إن شئت، كلام لا يستقل بنفسه فينصرف إلى ما سبق ذكره، والسابق ذكره عتقها، فصار شرط وقوع العتق مشيئتها عتقهما كأنه قال لها: إن شئت عتقك وعتق فلانة فأنتما حران، فإذا شاءت عتقت نفسها فقد أتت ببعض الشرط فلا ينزل شيء من الجزاء.
قال محمّد رحمه الله في «الجامع» : إذا قال الرجل لغيره: من شئت عتقه من عبيدي فأعتقه، فشاء المخاطب عتقهم جميعاً معاً عتقوا جميعاً إلا واحداً منهم عند أبي حنيفة رحمه الله، والخيار إلى المولى، وعندهما يعتقون جميعاً، هكذا ذكر المسألة في رواية أبي سليمان. وذكر محمّد في رواية أبي حفص: فأعتقهم المأمور جميعاً معاً عتقوا إلا واحد منهم عند أبي حنيفة رحمه الله، والصحيح رواية أبي حفص؛ لأن المعلق بمشيئة المأمور الإعتاق دون العتق، وعلى هذا الاختلاف إذا قال: من شئت عتقه من عبيدي فهو حر، فأعتقهم جميعاً عتقوا عندهما.
وعند أبي حنيفة رحمه الله: يعتق الكل إلا واحد منهم، وأجمعوا على أنه لو قال: من شاء عتقه من عبيدي فأعتقه، فأعتقهم جميعاً، عتقوا جميعاً، والخلاف فيما إذا كانت المشيئة مضافة إلى المخاطب لا إلى العبيد.
وجه قولهما: أن كلمة من كلمة عامة وهي محكمة في إفادة العموم، وكلمة من كما تحتمل التبعيض تحتمل الجنس، قال الله تعالى:{فاجتنبوا الرجس من الأوثان}(الحج: ٣٠) ويقال: باب من حديد والمراد هو الجنس فنعمل بالمحكم ونرد المحتمل عليه، ولأبي حنيفة رحمه الله: أنه وجد ههنا ما يوجب العموم وهو كلمة من وما يوجب الخصوص وهو كلمة من فإن كلمة من للتبعيض لغة، والعمل هنا ممكن بأن يدخل جميع العبيد تحت الأمر إلا واحداً منهم، وإنما اكتفينا بالواحد منهم في حق العمل بكلمة من؛ لأن كلمة من ههنا مذكورة لإخراج بعض العبيد عن الجملة لأن من تتناول الكل، فكانت من لإخراج بعض ما