والعوض مستهلك، وإن استحق العوض كان للواهب أن يرجع في هبته إن كانت قائمة، وإن كانت هالكة فليس له أن يضمن الموهوب له قيمتها، وإن استحق نصف الهبة فللموهوب له أن يرجع بنصف العوض، وإن كان العوض قد هلك رجع بنصف قيمته.
فإن قال الموهوب له: أرد ما بقي من الهبة وأرجع بجميع العوض لم يكن له ذلك، وإذا استحق بعض من يد الواهب فأراد الواهب أن يرجع ببعض الهبة ليس له ذلك، ويكون ما بقي عوضاً عن الكل، فإن شاء أمسك الباقي من العوض ولا شيء له غير ذلك، وإن شاء رد ما بقي ورجع بجميع الهبة ألف درهم والعوض نصف ألف منها، أو كانت الهبة داراً والعوض بيت منها لم يكن عوضاً، وكان للواهب أن يرجع في الهبة استحساناً، كذلك إن كانت الهبة دراهم وثوباً فعوضه الدراهم أو الثوب عن كل الهبة لم يكن عوضاً استحساناً.
الحاصل: أن عقد الهبة إذا كان واحداً لا يصير بعض الموهوب عوضاً عن البعض، وأما إذا وهب له بيتين في عقدين مختلفين فعوضه أحدهما عن الآخر كان عوضاً.
قال في «الكتاب» : أخذ فيه بالقياس، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا يكون عوضاً في الوجهين، ذكر قول أبي يوسف في «المنتقى» قال أبو يوسف: لنفسه أصلاً كل هبة من الواهب يكون له أن يرجع فيها، فإن ما لا يكون عوضاً عن شيء وهبه معها أو قبلها أو بعدها وإن رضي بها، فإن كانت قد تعين بزيادة كانت هبة أي عوضاً لم يكن له أن يرجع فيها، ولو وهب له حنطة وطحن بعضها وعوضه دقيقاً من تلك الحنطة كان عوضاً، وكذلك لو وهب له ثيابا وصنع منها ثوباً معصفراً أو خاطه قميصاً وعوضه إياه كان عوضاً، وكذلك لو وهب له سويقا فلتّ بعضه وعوضه.
عبد مأذون له في التجارة وهب لرجل هبة وعوضه الموهوب له من هبته فلكل واحد منهما أن يرجع في الذي له والهبة باطلة، وكذلك والد الصغير إذا وهب من مال الصغير شيئاً وعوضه الموهوب له؛ لأن هذا تعويض عن هبة باطلة، وكذلك إذا وهب رجل للصغير هبة وعوضه الأب من مال الصغير لم يجز العوض وللواهب أن يرجع في هبته؛ لأن الاب ملكه العوض مقابلاً بتأكيد ملك الابن في الهبة لا مقابلاً بأصل الملك فكان العوض في جانب الصغير معاوضة من وجه دون وجه، والأب إنما يملك في مال ابنه ما هو معاوضة من كل وجه لا ما هو معاوضة من وجه دون وجه فبطل التعويض وكان للواهب أن يرجع في هبته.
[الفصل الثامن: في حكم الشرط في الهبة]
في «البقالي» عن أبي يوسف إذا قال لغيره: هذه العين لك إن شئت ودفعه إليه فقال: شئت يجوز، وعن محمد في التمر إذا طلع فقال صاحب التمر: أدرك أو قال: إذا كان عشر فهو جائز بخلاف دخول الدار. في «المنتقى» ابن سماعة عن محمد رجل قال