للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول في بيان ركن الإيداع، وشرطه، وما يكون إيداعاً بدون اللفظ

قال مشايخنا: ركن الإيداع في حق صيرورة العين أمانة عند الغير قول المالك: أودعتك هذا العين. حتى لو قال هذا الغاصب صار العين أمانة عنده، وإن لم يقبل: حتى لو هلك بعد ذلك عنده من غير صنعه لا ضمان عليه، وفي حق وجوب الحفظ على المودع الركن هو الإيجاب، والقبول؛ وهذا لأن صيرورة العين أمانة عند الغير تلزم الملك، فيتم به وحده، فأما وجوب الحفظ حكم يلزم المودع، فلا بد من قبوله، وشرطه كون العين ماثلاً لإثبات اليد عليه؛ لأن الإيداع عقد استحفاظ، وحفظ الشيء لا يتأتى إلا بعد إثبات اليد عليه؛ ألا ترى أن إيداع الآبق، وإيداع الطير الذي في الهواء لا يصح، وإنما لا يصح لأنه لا يتهيأ للمودع إثبات اليد على هذه الأشياء.

في «المنتقى» : رجل في يديه ثوب قال له رجل: أعطني هذا الثوب، فأعطاه؛ كان هذا على الوديعة؛ لأن الإعطاء جهات فعند الإطلاق يحمل على أقلها، وهو الوديعة، وذكر في كتاب الهبة من «المنتقى» أن قوله: أعطني أعطيتك على الهبة، رجل جاء بثوب إلى رجل، وقال: هذا الثوب وديعة، ولم يقل الآخر شيئاً بل سكت ثم غاب صاحب الثوب، ثم غاب الآخر بعده وترك الثوب هناك، وضاع الثوب هناك، وضاع الثوب، فهو ضامن؛ لأنه قبل دلالة، وكذلك إذا جاء بالثوب ووضع بين يديه، ولم يقل شيئاً؛ وباقي المسألة بحالها، فهو ضامن؛ لأن صاحب الثوب أودع دلالة، وذلك الرجل قبل دلالة، ولو قال الآخر: أنا لا أقبل الوديعة، وباقي المسألة بحالها، فلا ضمان؛ لأن الدلالة إنما تعتبر إذا لم يوجد الصريح بخلافها.

في «فتاوى أهل سمرقند» : رجل دخل بدابته خاناً، وقال لصاحب الخان: أين أربطها؟ فقال: هناك، فربطها، وذهب، ثم رجع، فلم يجد دابته، فقال صاحب الخان: إن صاحبك أخرج الدابة ليسقيها، ولم يكن له صاحب، فصاحب الخان ضامن؛ لأن قول صاحب الدابة لصاحب الخان أين أربطها استحفاظ، وقول صاحب الخان: هناك؛ إجابة إلى الحفظ، فصار مودعاً، فيصير ضامناً بالتضييع.

وكذلك إذا دخل رجل الحمام، وقال لصاحب الحمام أين أضع الثياب؟ فقال صاحب الحمام: ثمة، فوضع، ودخل الحمام، ثم خرج رجل آخر، وأخذ ثيابه، وذهب، فصاحب الحمام ضامن لما قلنا، وإن وضع الثياب بمرأى عين صاحب الحمام، ولم يقل شيئاً، وباقي المسألة بحالها، فهذا على وجهين؛ إما أن لا يكون للحمام ثيابي وهو الذي يقال بالفارسية «جانيه دار» أو يكون «له ثيابي وهو حاضر» ، ففي الوجه الأول الضمان على صاحب الحمام، والحالة هذه استحفاظ لصاحب الحمام، ودلالة وفي الوجه الثاني الضمان على الثيابي دون صاحب الحمام؛ لأن هذا استحفاظ للثيابي دلالة فيضمن الثياب

<<  <  ج: ص:  >  >>