ذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه أنه ينبغي للمراد أن يأتي بالآبق إلى الإمام، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: إذا جاء به القاضي وقال: هذا عبد آبق، هل يصدقه القاضي من غير بينة؟ فقد اختلف المشايخ فيه، ثم إذا صدقه وأخذه منه حبسه إلى أن يحجر له طالب، ويكون هذا الحبس بطريق التعزير، ومن هذا المعنى يقع الفرق بين الأبق وبين الضال والضالة، فإن القاضي لا يحبسهما؛ لأنهما لا يستحقان التعزير ولا كذلك الأبق، وينفق عليه في هذا الحبس من بيت المال؛ لأنه محتاج إلى النفقة عاجز عن الكسب مادام محبوساً.
ولو أمره القاضي ليخرج، ويكتسب فأبق ثانياً، فكان النظر في الإنفاق من بيت المال، ثم إذا حبسه الإمام في (بيت) رجل، وأقام بينة أنه عبده قبل القاضي بينته، ولم يذكر محمد رحمه الله أن القاضي هل ينصب له خصماً، قال شمس الأئمة الحلواني: اختلف المشايخ فيه؛ بعضهم قالوا: ينصب خصماً، فلم تقبل هذه البينة، وبعضهم قالوا: يقبل القاضي هذه البينة من غير أن ينصب خصماً، فطريقه ما ذكرنا قبل هذا.
قال: ويحلف المدعي بالله ما بعته ولا وهبته ثم يدفع إليه، فإن قيل: كيف يستحلفه وليس ههنا خصم حاضر يدعي ذلك؟ قلنا: يستحلفه لقضائه، أو يستحلفه نظراً لمن هو عاجز عن النظر لنفسه بنفسه من مشتري أو موهوب له، فإذا حلف دفعه إليه، وهل يأخذ منه كفيلاً؟ ذكر في رواية أبي حفص لا أحب له أن يأخذ كفيلاً، ولو أخذ لا يكون مسناً.
وذكر في «نوادر ابن سليمان» : أحب إليَّ أن يأخذ منه كفيلاً، ولو لم يأخذ كان في سعة منه، واختلف المشايخ فيه، منهم من قال: ما ذكر في رواية أبي حفص قول أبي حنيفة، وما ذكر في رواية ابن سليمان قولهما؛ بناءاً على أن أبا حنيفة لا يرى الكفيل للمجهول، وهما يريان ذلك، ومنهم من قال: في المسألة روايتان؛ وهو الأصح، ولكن ما ذكر في رواية ابن سليمان أحوط لجواز أن يظهر له مستحق آخر.
وإن لم يكن للمدعي بينة، وأقر العبد أنه عبده دفعه إليه، وأخذ منه كفيلاً؛ لأن العبد مع المدعي تصادقا على أنه ملك المدعي ولا منازع لهما، ولم يذكر في «الكتاب» أن القاضي يتحر في الدفع إليه، أو يجب عليه الدفع، إنما ذكر دفعه إليه، وقد اختلف المشايخ فيه، وإنما يأخذ الكفيل ههنا؛ لأن الدفع إليه بما ليس بحجة عند القاضي فلا يلزمه ذلك بدون الكفيل، بخلاف الفصل الأول على إحدى الروايتين، فإن لم يجىء للعبد طالب، وطال ذلك باعه القاضي وأمسك ثمنه، ولا يؤاجره بخلاف العبد الضال إذا حجر به إلى القاضي فالقاضي لا يبيعه بل يؤاجره؛ لأن الآبق لا يؤمن بأن يأبق ثانياً لو آجره ولم يبعه، ربما يأتي بنفقته جميع ثمنه، فكان البيع أنفع في حق المولى، ولا كذلك الضال فإنه يؤمن منه الإباق، فكانت الإجارة، وفيها آبقاً العين على ملك المولى أنفع في