للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها، وقال أحدهما: تكون عندك يوماً وعندي يوماً، وقال الآخر: لا بل نضعها على يدي عدل، فإني أجعلها عند كل واحد منهما يوماً ولا أضعها على يد عدل، قال مشايخنا: ويحتاط في باب الفروج في جميع المواضع نحو العتق في الجواري، والطلاق في النساء في الشهادة وغير ذلك إلا في هذا الموضع، فإنه لا يحتاط لحشمة ملكه وهو نظير ما لو أخبر القاضي أن فلاناً يأتي جواريه في غير المأتى، ويستعملن في البغاء ويطأ زوجته حالة الحيض وأمته من غير استبراء لا يكون للقاضي عليه سبيل لحشمة ملكه ها هنا.

[الفصل الثالث والعشرون: في الرجلين يحكمان بينهما حكما]

يجب أن يعلم بأن التحكيم جائز ثبت جوازه بقوله تعالى: {فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} (النساء: ٣٥) ، وبما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه أنزل بني قريظة على حكم سعد بن معاذ» وبأثر عمر وعلي رضى الله عنهما؛ وشرط جوازه أن يكون الحكم من أهل الشهادة، لأن الحكم فيما بين المحكمين بمنزلة القاضي المولى في حق الكل، وإنما يصح تقليد القضاء لمن صلح شاهداً، فكذا هاهنا ويشترط أن يكون أهلاً للشهادة وقت التحكيم، ووقت الحكم جميعاً حتى أنه إذا لم يكن أهلاً للشهادة وقت التحكيم فصار أهلاً للشهادة وقت الحكم، بأن كان الحكم عبداً فأعتق وحكم لا ينفذ حكمه، هكذا ذكر صاحب الأقضية في الأقضية، والشيخ الإمام شيخ الإسلام في شرح كتاب الصلح.

وهذا لما ذكرنا أن الحكم فيما بين المحكمين بمنزلة القاضي الموَلَّى في حق الكل، ثم أهلية الشهادة وقت التقليد فكذا هاهنا، وقد ذكرنا مسألة العبد في فصل التقليد والعزل بخلاف هذا وشرط آخر، أن يكون التحكيم فيما يملك المحكم إقامته بنفسه؛ لأن ولاية الحكم بحكم التحكيم فيقتصر على ما يملك الحكم فيه إقامته بنفسه، وحكم هذا الحكم يفارق حكم القاضي المولَّى من حيث إن حكم هذا الحكم إنما ينفذ في حق الخصمين، ومن رضي بحكمه ولا يتعدى إلى من لم يحكم، وجعل في حق من لم يرض بحكمه كأنه حكم واحد من الرعايا بخلاف القاضي المولى.

ذكر ابن سماعة في «نوادره» عن محمد رحمه الله في رجلين حكّما بينهما حكماً في خصومة، قال: لا يجوز حكم من لا تجوز شهادته له لا عبد ولا صبي ولا محدود في قذف ولا ذمي، فقد ذكرنا أن من شرط جواز التحكيم أن يكون الحكم من أهل الشهادة، وهؤلاء لا يصلحون شهوداً، فلا يصلحون حكماً وكما لا يصح التحكيم للحال لا يصح

<<  <  ج: ص:  >  >>