للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امتنع عنه أبو حنيفة رحمه الله حتى ضرب ثلاث مرات في كل مرة ثلاثين سوطاً، وألا ترى أن محمداً رحمه الله كيف أباه حتى قيد نيفاً وخمسين يوماً، وفي رواية نيفاً وأربعين يوماً، وقال بعضهم: له أن يقلد إذا كان يمكنه القيام بحقه، ألا ترى أن الأنبياء عليهم السلام اشتغلوا به حتى نبينا عليه السلام والصحابة رضي الله عنهم اشتغلوا به، ولأن في القضاء إظهار سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإحياء شريعته، ولهذا يطلق على القاضي اسم خليفة رسول الله بلا خلاف، وإن اختلفوا أنه هل يطلق عليه اسم خليفة الله، وفيه إيصال الحق إلى مستحقيه، وفيه نصرة المظلومين، وكل ذلك حسن عقلاً وشرعاً، وقال بعضهم: من قلد بغير مسألة فلا بأس بالقبول، ومن سأل يكره له ذلك، وهذا لأن من سأل فقد اعتمد على نفسه، ووكل إليه، ومن أجبر عليه فقد اعتمد على الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، والذي عليه عامة المشايخ أن الدخول في القضاء رخصة، والامتناع عنه عزيمة، أما الدخول فيه رخصة لما ذكرنا أن فيه إيصال الحق إلى المستحق، وفيه نصرة المظلومين، وأما الامتناع عنه عزيمة، لوجهين أحدهما أن القاضي مأمور بالقضاء بحق وعسى يظن في الابتداء أنه يقضي بحق، ثم لا يقضى في الانتهاء بحق، والثاني أنه عسى لا يمكنه القضاء إلا بإعانة غيره، وذلك الغير عسى لا يعينه على القضاء، ولكن هذا إذا كان في البلد قوم صالحون للقضاء، أما إذا لم يكن في البلد قوم يصلحون للقضاء سواه، يدخل في القضاء لا محالة؛ لأنه لو لم يدخل ربما تقلد الجاهل فيضيع أحكام الله تعالى، وعلى هذا حكم الإثم،

إذا كان في البلد قوم يصلحون للقضاء، وامتنع واحد منهم لا يأثم، وإذا لم يكن في البلد من يصلح للقضاء إلا واحد وامتنع هو يأثم، وإذا كان في البلد قوم يصلحون للقضاء فامتنعوا جملة عن القضاء، فإن كان الوالي بحيث يفصل الخصومات بنفسه، كما ينبغي، فإنهم لا يأثمون، وإن كان الوالي بحيث لا يفصل الخصومات بنفسه كما ينبغي، فإنهم يأثمون، لأنهم ضيعوا حقوق الله تعالى وحقوق العباد، فإنهم يشتركون في الإثم.

[الفصل الثالث: في ترتيب الدلائل للعمل بها]

قال: ينبغي للقاضي أن يقضي بما في كتاب الله تعالى، وينبغي أن يعرف ما في كتاب الله تعالى من الناسخ والمنسوخ، لأنه إنما يجب العمل بالناسخ دون المنسوخ وينبغي أن يعرف من الناسخ ما هو محكم، وما هو متشابه، وفي تأويله اختلاف، كالأقراء فإن الله تعالى نص على الأقراء في مضي العدة، وقد اختلف العلماء في تأويلها، فمنهم من جعلها عبارة عن الأطهار، فينبغي أن يعرف المتشابه، وما فيه اختلاف العلماء؛ ليترجح قول البعض على البعض باجتهاده، فإن لم يجد في كتاب الله تعالى، يقضي بما جاء عن رسول الله عليه والسلام، قال الله تعالى: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر: ٧)) وينبغي أن يعرف الناسخ والمنسوخ من الأخبار، لما ذكرنا

<<  <  ج: ص:  >  >>