[الفصل الأول في بيان شرط جواز الإعارة، وبيان نوعها وصفتها]
أما بيان شرطها فنقول: شرط جواز الإعارة كون العين قابلة للانتفاع به مع بقاء العين، وكونه قابلاً لتمليك بمنافعه بعوض بعقد الإجارة حتى كان إعارة الدراهم والدنانير والفلوس قرضاً؛ لأنه لا يمكن الانتفاع بهذه الأشياء مع بقاء العين، فيقدر العمل بحققة الإجارة في هذه الأشياء؛ لأن الإجارة شرعت لتمليك المنفعة مع بقاء العين على ملكه، فيجعل كناية عن عقد آخر، وأمكن جعله كناية عن القرض؛ لأن العارية متى تحققت كان من حكمها رد العين.
والقرض يوجب أداء المثل قائماً مقام العين، وهذا إذا حصل إعارة الدراهم والدنانير مطلقة، أما إذا عين في الإعارة انتفاعاً يتأتى مع بقاء العين لا يكون قرضاً؛ بل يكون عارية، وذلك يجوز أن يعير من صيرفي دراهم ليحمل بها في حانوته وليصير بها ستمئة، ذكر هذه الزيادة شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب العارية، ويجب أن يكون الحكم في إعارة جميع ما يكال أو يوزن هكذا.
وقال الفقيه أبو بكر فيمن قال لآخر: أعرتك هذه القصعة من الثريد، فأخذها، وأكلها، فعليه مثلها، أو قيمتها بناءً عل ما قلنا إن الإعارة ما لا يمكن الانتفاع مع بقاء العين قرض، قال الفقيه أبو الليث: الجواب هكذا إذا لم يكن بينهما مباسطة، أو دلالة الإباحة ونحوها.
وفي «العيون» : من أخذ رقعة يرقع بها قميصه، أو خشبة يدخلها في بنائه، أو آجرة فهو ضامن؛ لأن هذا ليس بعارية؛ بل هو قرض؛ هذا إذا لم يقل: لأردها عليك؛ أما إذا قال: لأردها عليك فهو عارية، وتصح الإعارة من غير بيان الوقت والمكان، وما يحمل على الدابة؛ لأن جهالة هذه الأشياء في الإعارة لا تفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم؛ لأنها لا توجب التسليم، وعند ذلك للمستعير أن ينتفع بالدابة من حيث الحمل والركوب؛ كما ينتفع بدابة نفسه في قليل المدة وكثيرها.
وأما بيان نوعها فهي نوعان: مطلقة ومؤقتة؛ نحو أن يقول في الإعارة شهراً، أو يقول: إلى مكان كذا، أو يقول: يحمل عليها كذا، ففيما كانت مطلقة يجب إجراؤها على إطلاقها، أو فيما كانت مقيدة يجب رعاية القيد فيه.
وأما بيان صفتها، فنقول: صفتها أنها غير لازمة، وللمعير أن يرجع فيها متى شاء؛ لأن الإعارة تبرع بالمنفعة، فلا تكون لازمة قبل قبضها؛ كالتبرع بالعين، وما لم يستوف من المنفعة في المستقبل لم يتصل بها القبض، ومن صفتها أنها ترتفع لمجرد النهي، ويبطل بموت أحدهما أيهما مات.