المسألة في شيء من الكتب، وحكي عن الفقيه أبي بكر محمد بن أحمد الحجراني رحمه الله أنه قال: إن كان فاسقاً يعلن الفسق لا تقبل شهادته بعد ذلك، وإن لم يكن معلناً تقبل شهادته. وفي «الحاوي» عن أبي يوسف رحمه الله مثل هذا، والمذكور في «الحاوي» شاهد هو عدل بين الناس ممن تجوز شهادته، فشهد بزور لا تقبل شهادته بعد ذلك؛ لأنه لا يعرف له توبة، وإن لم يكن عدلاً فشهد بزور تقبل شهادته والله أعلم.
[الفصل العشرون: في الدعوى إذا خالف الشهادة]
إذا ادعى على آخر مئة أقفزه حنطة بسبب سلم مستجمعاً شرائطه، وشهد الشهود أن المدعى عليه أقر أن له عليه مئة أقفزة حنطة ولم يزيدوا على هذا، فقد قيل: لا تقبل شهادتهم، لأن الشهود لم يذكروا إقراره بسبب السلم، ودين السلم بخلاف سائر الديون حتى لا يجوز الاستبدال بدين السلم قبل القبض، ويجوز الاستبدال بسائر الديون، وقيل: ينبغي أن تقبل شهادتهم، لأن هذا اختلاف في سبب الدين، إنما لا يمنع قبول الشهادة إذا لم يختلف الدين باختلاف السبب، ودين السلم مع دين آخر يختلفان إن كانت الدعوى بلفظ مرابحة والشهود شهدوا بلفظ التسبب.
حكي عن شيخ الإسلام أبي الحسن السغدي رحمه الله: أن الشهادة لا تقبل لأنهما غيرا فيما شهد به الشهود لم يدخل تحت الدعوى، وقيل: ينبغي أن يقبل في عرفنا وهو الأشبه والأظهر؛ لأن في عرفنا البيت والدار واحد، يقال: خانة فلان كما يقال: سراي فلان.
وإذا ادعى ملكاً بسبب حق الشراء من رجل آخر والإرث عن أبيه أو ما أشبه ذلك، وأقام البينة على الملك المطلق لا تقبل بينته لوجهين:
أحدهما: أن الشهود شهدوا بأكثر مما ادعاه المدعي، لأن المدعي ادعى الملك بسبب حادث يكون حادثاً ضرورة، والشهود شهدوا بملك قديم؛ لأنهم شهدوا بالملك المطلق والملك المطلق قديم، ولهذا قلنا: إن في دعوى الملك يستحق العين بالزوائد المتصلة والمنفصلة جميعاً، ويرجع الباعة بعضهم على البعض، ولا شك أن الملك القديم أكثر من الملك الحادث، والشهود إذا شهدوا بأكثر مما ادعاه المدعي لا تقبل شهادتهم، لأن المدعي يصير مكذباً شهوده في بعض ما شهدوا به وهو الزيادة على ما ادعى، وتكذيب المدعي شهوده في بعض ما شهدوا به يمنع قبول الشهادة.
الوجه الثاني: ما أشار إليه محمد رحمه الله في «الكتاب» فقال: لما ادعى أنه