[الفصل الثاني: في الاختلاف الواقع بين الإيجاب والقبول وفي الحوادث التي تمنع صحة القبول]
المشتري إذا أوجب البائع البيع في سنتين أو ثلاثة وأراد المشتري أن يقبل العقد في أحدهما دون الآخر فهذا على وجهين: إن كانت الصفقة واحدة ليس له ذلك، وإن كانت متفرقة فله ذلك، وهذا لأن الصفقة إذا كانت واحدة فالمشتري بقبول العقد في أحدهما يريد تفريق الصفقة على البائع وذلك ضرر بالبائع؛ لأن العادة فيما بين الناس أنهم يضمون الرديء الى الجيد في البياعات وينقصون أشياء عن ثمن الجيد لترويج الرديء بالجيد، فلو جاز قبول العقد في أحدهما فالمشتري يقبل العقد في الجيد ويترك الرديء على البائع فيزول الجيد عن ملك البائع بأقل من ثمنه، وفيه ضرر بالبائع، وكذلك لو قال: بعتك هذا العبد فقال المشتري: قبلت في نصفه لم يصح؛ لأن فيه ضرر عيب الشركة فالشركة في الأعيان عيب.
قال القدوري في «الكتاب» : إلا أن يرضى البائع في المجلس نحو أن يقول: بعتك هذين القفيزين بعشرة فيقول المشتري: قبلت في أحدهما فيرضى به البائع ويكون ذلك من المشتري في الحقيقة استئناف إيجاب القبول، فإذا رضي به البائع في المجلس فيجوز، قال: وإنما يصح مثل هذا إذا كان للتبعيض الذي قبل المشتري حصة معلومة من الثمن على نحو ما ذكرنا من المثال في القفيزين؛ لأن الثمن ينقسم عليهما باعتبار الأجزاء فيكون حصة كل قفيز معلومة، فأما إذا كان الثمن ينقسم باعتبار القيمة نحو إن أضاف العقد إليه عبدين أو ثوبين فلم يصح العقد إذا قبل المشتري في أحدهما؛ وإن رضي البائع به؛ لأن القبول من المشتري لما جعل بمنزلة ابتداء الإيجاب (٣٧ب٣) ، فإذا لم يكن حصة كل واحد مسمى لو جاز البيع في الذي قبل كان هذا ابتداء العقد بالحصة وإنه لا يجوز.
ثم لا بد من بيان معرفة اتحاد الصفقة وتفرقها فنقول: إذا اتحد البيع والشراء والثمن بأن ذكر الثمن جملة والبائع واحد والمشتري واحد فالصفقة متحدة قياسا واستحساناً، كذلك لو تفرق الثمن بأن سمى لكل بعض من المبيع ثمنا على حدة واتحد الباقي، بأن قال البائع: بعتك هذه الأثواب العشرة كل ثوب منها بعشرة، كانت الصفقة متحدة أيضاً، وكذلك إذا كان البائع والمشتري اثنين بأن قال البائع لرجلين: بعت منكما بكذا، وقال المشتريان: اشتريناها منك بكذا، كانت الصفقة متحدة، هذا هو الكلام في الاتحاد، وأما الكلام في جانب التفرق فنقول: إن تفرقت التسمية بأن سمى لكل بعض ثمناً على حدة وتكرر البيع أو الشراء والبائع والمشتري اثنان وكان أحدهما اثنين فالصفقة متفرقة، وكذلك إذا تفرق الثمن وتكرر البيع أو الشراء والبائع والمشتري واحد، بأن قال البائع لرجل: بعت منك هذه الأثواب، بعتك هذا بعشرة، بعتك هذا بخمسة، أو قال المشتري: