الذمة، فأوفاه ذلك ثم استحق ذلك فشفعة الشفيع على حاله؛ لأن المكيل أو الموزون إذا كان في الذمة فهو والدراهم سواء.
في «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد رحمه الله: في رجل اشترى من آخر داراً بالكوفة بكر حنطة بعينه أو بغير عينه وتقابضا ثم خاصمه الشفيع في الدار بمرو فقضى له عليه بالشفعة والدار بكوفة، قال: إن شاء المشتري أخر الشفيع حتى يأخذ منه حنطة مثلها بالكوفة وسلم له الدار بمرو، وإن شاء سلم له الدار وأخذ منه بمرو قيمة الطعام بالكوفة.
وقال في موضع آخر من «المنتقى» : إذا كان قيمة الكر في الموضعين سواء أعطاه الكر حيث قضي له بالشفعة، وإن كانت القيمة متفاضلة نظر في ذلك إن كان الكر في الموضع الذي يريد الشفيع أن يعطي أعلى، فذلك إلى الشفيع يعطيه ذلك حيث شاء، وإن كان أرخص فرضي به المشتري، فذلك إليه وإن شاؤوا أعطى المشتري قيمة ذلك في الموضع الذي فيه ما يساوي في موضع الشراء.
[الفصل السادس عشر: في الشفعة في فسخ البيع والإقالة وما يتصل بذلك]
مشتري الدار إذا وجد الدار عيباً بعدما قبضها وردها بالعيب، وكان ذلك بعد ما سلم الشفيع الشفعة فللشفيع أن يأخذها بالشفعة، وإن كان الرد بغير قضاء قاض، فإن الرد بالعيب بغير قضاء بيع جديد في حق الثالث والشفيع ثالث، فصار في حق الشفيع كأن المشتري باع الدار من البائع، ولو كان الرد بقضاء قاض فليس للشفيع أن يأخذها؛ لأن الرد بقضاء فسخ في حق الكل وليس ببيع جديد أصلاً لانعدام حده، والتملك بالتراضي وحق الشفيع إنما يثبت في العقد لا في الفسخ، وإذا كان الرد بالعيب قبل قبض الدار، فإن كان بقضاء فلا شفعة للشفيع، وإن كان بغير قضاء، فكذلك عند محمد رحمه الله؛ لأنه تعذر اعتباره بيعاً جديداً في حق الشفيع؛ لأن بيع العقار قبل القبض عنده لا يجوز، وأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فقد اختلف المشايخ بعضهم قالوا: للشفيع الشفعة؛ لأن بيع العقار قبل القبض عندهما جائز، فأمكن أن يجعل هذا الرد بيعاً جديداً في حق الشفيع وبعضهم قالوا: لا شفعة للشفيع؛ لأن رضا البائع قبل القبض لا عبرة به؛ لأن للمشتري حق الرد بالعيب قبل القبض وإن لم يرض به البائع؛ لأن الصفقة لم يتم بعد، ولو انعدم الرضا من البائع لا يمكن أن يعتبر بيعاً جديداً في حق الشفيع، فكذا إذا لم يعتبر رضاه.
كما لو سلم المشتري الدار إلى الشفيع باختياره ورضاه لا يعتبر ذلك بيعاً جديداً في حق الثالث، حتى لو كان لهذه الدار شفيع آخر وقد سلم الشفعة لا يتجدد له شفعة أخرى بهذا التسليم؛ لأن للشفيع أن يأخذ منه بغير رضاه، فلم يكن لرضاه عبرة كذا هاهنا.
وإن كان المشتري رد الدار بخيار رؤية أو بخيار شرط لا يتجدد للشفيع حق الشفعة