للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد رحمه الله: والأصح عندي أنه يأكل ميراثها عند أبي حنيفة رحمه الله بسبب القرابة، لأنه لما كان للقاضي ولاية الإنشاء في قطع النسب باللعان، كان له ولاية الإنشاء في القضاء بالنسب إذا صادف محله، وقد صادف محله هاهنا لأن ليس لها نسب معروف، فلهذا قال: يأكل ميراثها، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب الرجوع في موضع آخر أن النسب يثبت بقضاء القاضي باطناً بشهادة الزور عند أبي حنيفة رحمه الله، وذكر وجه ذلك فقال: إن كان القاضي لا يملك إنشاء النسب لولاية القضاء من غير بينة يملك الإنشاء بشهادَةِ الزور، فيما يملك الخصمان إنشاءه على إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله، فإنه يقول على إحدى الروايتين: القاضي يملك إنشاء الهبة بشهادة الزور. حتى قال: بأن قضاء القاضي بشهادة الزور ينفذ باطناً على هذه الرواية، والقاضي لا يملك إنشاء الهبة بولاية القضاء من غير بينة، ولكن طريقه أن الخصمان يملكان إنشاءها فيملك القاضي إنشاءها بشهادة الزور.

الفصل السّادس عشر: في القضاء بخلاف ما يعتقده المحكوم أو المحكوم عليه

وفيهِ بعض مسائل الفتوى:

رجل فقيه قال لامرأته: أنت طالق البتة، وهو نواها واحدة رجعية فراجعها ورافعته إلى قاضي، يراها ثلاثاً فجعلها ثلاثاً، وفرق بينهما، أو كان الزوج نواها واحدة بائنة فتزوجها، ورفعته إلى القاضي يراها ثلاثاً، وفرق بينهما نفد هذا القضاء ظاهراً وباطناً، حتى لا يحل له المقام معها، ولا يسعها أن تمكنه من نفسها، فإن كان الزوج نواها ثلاثاً، فرافعته إلى القاضي الذي يراها واحدة بائنة أو واحدة رجعية، فجعلها واحدة بائنة أو واحدة رجعية نفد هذا القضاء باطناً، عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله حتى يسعه أن يراجعها أو يتزوجها، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا ينفذ هذا القضاء باطناً فالحاصل أن المبتلى بالحادثة إن كان عامياً لا رأي له، فعليه أن يتبع حكم القاضي فيما يقضي في تلك الحادثة سواء حصل الحكم له بأن. (٧٤أ٤) حصل الحكم بالحل، أو حصل الحكم عليه بأن حصل الحكم بالحرمة، وإن كان المبتلى بالحادثة فقيهاً له رأي، وحكم القاضي بخلاف رأيه إن حصل الحكم عليه بأن كان هو يعتقد الحل، وقضى القاضي بالحرمة فعليه أن يتبع حكم القاضي، ويترك رأي نفسه بلا خلاف، وإن حصل الحكم له بأن كان هو يعتقد الحرمة وقضى القاضي بالحل، ذكر في بعض المواضع أنه يتبع حكم القاضي، ويترك رأي نفسه من غير ذكر خلاف، وذكر في بعض المواضع أن على قول أبي يوسف لا يترك رأي نفسه، ولا يلتفت إلى إباحة القاضي فيما يعتقد حراماً.

فوجه قولهما: أنا أجمعنا على أن المبتلى بالحادثة، إذا كان عامياً وقضى القاضي له ينفذ قضاؤه، فكذا إذا كان عالماً، لأن قضاء القاضي يلزم في حق الناس كافة يوضحه أن القاضي يقضي بأمر الشرع، وما يصير مضافاً إلى الشرع، فهو بمنزلة النصّ، فلا يترك

<<  <  ج: ص:  >  >>