ذلك بالرأي، كما لا يترك النصّ بالاجتهاد، وأبو يوسف يقول: الإلزام في جانب المقضي عليه فأما في حق المقضي له فلا إلزام، ولهذا لا يقضي القاضي بدون طلبه وفي زعمه أن القاضي مخطئ في هذا القضاء فلا يتبعه في ذلك.
وفي «نوادر هشام» عن محمد رجل تزوج امرأة، ثم جن جنوناً مطبقاً وله والد فادعت المرأة أنه كان حلف قبل أن يتزوج بطلاق كل امرأة يتزوجها ثلاثاً، قال: نصب القاضي والده خصماً، فإن نصبه ورأى أن هذا القول ليس بشيء فأبطله وأمضى النكاح ثم برئ الزوج، وهو يرى وقوع الطلاق بهذا القول، هل يسعه المقام معها؟ قال: نعم، ولكن على قياس قول أبي يوسف لا يسعه المقام معها، لأن الحكم وقع له.
ولو أن فقيهاً قال لامرأته: أنت طالق البتة، وهو يراها ثلاثاً فأمضى رأيه فيما بينه وبينها وعزم على أنها حرمت عليه، ثم رأى بعد ذلك أنها تطليقة رجعية أمضى رأيه، الذي كان عزم عليه ولا يردها لأنه لما أمضى رأيه في ذلك صار بمنزلة انضمام الحكم إليه، فلا ينقضه بما حدث، بخلاف ما إذا قضى القاضي بخلاف رأيه الذي عزم عليه؛ لأن قضاء القاضي أقوى من رأيه وإمضائه، فجاز النقض به، وكذلك لو كان في الابتداء يرى أنها تطليقه رجعّية فعزم على أنها امرأته، ثم رأى بعد ذلك أنها ثلاث تطليقات لم يحرم عليه لما ذكرنا أن الرأي إذا اتصل به الإمضاء لم ينفسخ باجتهاد آخر، ولو كان في الابتداء لم يعزم على ذلك لم يمض رأيه حتى رآها ثلاثاً لم يسعه المقام معها، لأن مجرد الاجتهاد يجوز أن ينقض باجتهاد مثله، ويصير كالفاسخ له في حق وجوب العمل، إلا إذا كان الإمضاء متصلاً بالأول، وإذا المبتلى بالحادثة فقيه له رأي، فاستفتى فقيهاً آخر، فأفتى له بخلاف رأيه يعمل بعلم نفسه، وإن كان المبتلى جاهلاً يأخذ بفتوى أفضل الرجال عند العامة فقهاً، ويكون ذلك بمنزلة الاجتهاد له، فإن أفتاه مضى في تلك الحادثة، وقضى القاضي في تلك الحادثة بخلاف الفتوى، إن كان القضاء عليه يتبع رأي القاضي، ولا يلتفت إلى فتوى المفتي، وإن كان المفتي أعلم من القاضي في تلك الحادثة عند العامة، وإن كان القضاء له، فهو على الاختلاف الذي مرّ ذكره، لأن قول المفتي في حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده فصارت هذه المسألة عين تلك المسألة.
وفي «القدوري» إذا لم يكن الرجل المبتلى بالحادثة فقيهاً، واستفتى إنساناً فأفتاه بحلال أو حرام، فإن لم يعزم على ذلك حتى أفتاه غيره بخلافه فأخذ بقول الثاني، وأمضاه في منكوحته لم يجز له أن يترك ما أمضاه فيه، ويرجع إلى ما أفتى به الأول، لأنه متعبد بالتقليد كما يتعبد المجتهد بالاجتهاد، فلا يجب على المجتهد أن يعمل بما أمضاه، ولم يجز نقض ذلك ببدل الرأي، فكذا المقلد إذا عزم على العمل بفتوى واحد من المفتين لم يسعه أن ينقض ذلك بفتوى آخر.
وفي «النوادر» إذا حلف الرجل بطلاق كل امرأة يتزوجها، فتزوج امرأة فاستفتى فقيهاً عدلاً، من أهل الفتوى، فأفتاه ببطلان اليمين وسعه اتباع فتواه وإمساك المرأة.
وفيه أيضاً: إذا استفتى فقيهاً، فأفتاه ببطلان اليمين فتزوج امرأة أخرى، ثم استفتى