للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الأول: في بيان شرط صحة الرجوع عن الشهادة وفي بيان حكمه]

أما بيان شرط صحته: فنقول: شرط صحته على الخصوص مجلس القاضي حتى لا يصح الرجوع في غير مجلس القاضي، وشرطه يظهر فيما إذا ادعى المشهود عليه عند القاضي رجوع الشاهد في غير مجلس القاضي، وأنكر الشاهد ذلك، فأراد المشهود عليه إثباته بالبينة، وأراد استحلاف الشاهد ليس له ذلك لما نبين بعد هذا إن شاء الله.

وإذا أقر الشاهد عند القاضي أنه رجع عند غيره صح إقراره، وطريق صحته: أن يجعل هذا رجوعاً مبتدأ من الشاهد، لا أن يعتبر ذلك الرجوع الذي كان في غير مجلس القاضي.

وإنما شرطنا مجلس القاضي، لصحة الرجوع؛ لأن الرجوع فسخ للشهادة، لأن بالرجوع ثبت ضد ما أثبته بالشهادة، وفسخ الشيء إثبات ضده كفسخ البيع وأشباهه، فيعتبر بابتداء الشهادة، ثم شرط لابتداء الشهادة مجلس القاضي، فكذا يشترط لفسخها مجلس القاضي.

وأما بيان حكمه فنقول: رجوع الشاهد إن كان قبل القضاء يصح في حق نفسه وفي حق غيره حتى يجب على الشاهد التعزير، ولا يقضي القاضي بشهادته على المشهود عليه. وإن كان بعد القضاء، كان أبو حنيفة رحمه الله أولاً يقول: ينظر إلى حال الراجع إن كان حاله عند الرجوع أفضل من حاله وقت الشهادة في العدالة صح رجوعه في حق نفسه وفي حق غيره، حتى وجب عليه التعزير، وينقض القضاء ويرد المال على المشهود عليه، ولو كان حاله عند الرجوع مثل حاله عند الشهادة في العدالة، أو دونه يجب عليه التعزير، ولكن لا ينقض القضاء ولا يرد المشهود به على المشهود عليه، ولا يجب الضمان على الشاهد، وهو قول أستاذه حماد رحمهما الله.

ووجه ذلك: أن الرجوع كلام محتمل للصدق والكذب، فلا يجب العمل به ما لم يترجح فيه جهة الصدق على الكذب، وإنما يترجح جهة الصدق في الرجوع إذا كان حال الراجع عند الرجوع في العدالة أفضل. أما إذا كان في حالة العدالة عند الرجوع مثل حاله في العدالة عند الشهادة فلا، وهذا لأنه لو ترجح صدقه في الرجوع بمثل العدالة التي ترجح صدقه بها في الشهادة، فقد ثبت حكمان متنافيان بشيء واحد، لأنه ثبت صدقه في النفي والإثبات بعدالة واحدة، والنفي ضد الإثبات، فلا يجوز إثباتها بشيء واحد. فأما إذا كان حاله في العدالة عند الرجوع أفضل، فقد أثبتنا الصدق في النفي بدليل آخر غير الذي أثبتنا الصدق به في الإثبات وإنه جائز. وإذا كان حاله عند الرجوع في العدالة أفضل حتى يترجح جهة الصدق في الرجوع يترجح جهة الكذب في الشهادة، ويتبين أن القضاء حصل بغير حجة فيجب نقضه.

ثم رجع عن هذا القول. وقال: لا يصح رجوعه في حق غيره على كل حال حتى لا

<<  <  ج: ص:  >  >>