الأول: في الإخبار عن أمر ديني؛ نحو الإخبار عن نجاسة الماء وطهارته، والإخبار عن حرمة المحل وإباحته وما يتصل بذلك، قال محمد رحمه الله: وإذا حضر المسافر الصلاة، فلم يجد ماءً إلا في إناء أخبره رجل أنه قذر، وهو عنده مسلم مرضي؛ لم يتوضأ به؛ لأنه أخبر بأمرٍ من أمور الدين، وهو حرمة استعمال الماء، ووجوب التيمم عليه.
وخبر الواحد حجة في أمور الدين إذا كان المخبر مسلماً عدلاً بالآثار والمعقول، أما الآثار فمن جملة ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث دحية الكلبي إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وعبد الله بن أنيس إلى كسرى، ومع كل واحد منهما كتاب، (لو) لم يكن خبر الواحد حجة لما اكتفى ببعث الواحد، وعن عمر رضي الله عنه أنه حين ورد ماء الحياض قال عمرو بن عاص: ارحل مراد.... أخبرنا عن السباع أترد ماءكم، فقال عمر رضي الله عنه: لا تخبرنا عن شيء منهما....؛ لولا أن هذا ... عده خبره خبراً وإلا ما نهاه عن ذلك.
وأما المعقول: وهو أنا لو لم نعمل بالخبر الواحد.... أمور الدين الأخرى الكذب احتجنا إلى أن نعمل باستصحاب الحال متى أخبر بنجاسته، أو بهلال رمضان، أو بالقياس متى روي خبر في أحكام تخالف القياس.
والعمل بالخبر الواحد إذا كان مسلماً عدلاً؛ أولى من العمل باستصحاب الحال والقياس، أما استصحاب الحال؛ فلأنه عمل بعدم الدليل، وخبر المسلم العدل حجة من حيث إن الصدق فيه رآه إن لم يكن حجة، من حيث إن احتمال الكذب باق، وأما القياس فلأن ما يدل على الخطأ منه في القياس راجح على ما يدل على الصواب؛ لأنه من الجائز أن يكون الحكم في الأصل معلولاً بعلة أخرى غير ما علله المعلل، ومن الجائز أن يكون مصيباً فيما علل، إلا أنه ورد النص بخلافه لكن لم يبلغه، فكان ذلك الخطأ راجحاً على دليل الصواب، وما يدل على الصدق في الخبر الواحد المسلم العدل راجح على ما يدل على الكذب؛ لأن دليل الكذب ثابت من وجه واحد، وهو أنه غير معصوم عن الكذب، ودليل الصدق ثابت من وجهين؛ أحدهما: عقله ودينه، والثاني: عدالته، فكان العمل