للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخبر الواحد أولى، وكذلك إذا كان المخبر عبداً أو أمة، أو امرأة حرة؛ لأن العمل بخبر الواحد إذا كان مسلماً عدلاً؛ إنما وجب لترجيح دليل الصدق على دليل الكذب؛ باعتبار عقله ودينه وعدالته، وهذا المعنى موجود في حق العبد والأمة والمرأة الحرة إذا كانوا عدولاً مسلمين، والدليل عليه أن كثيراً من العبيد رووا أخباراً عن النبي عليه السلام؛ كبلال وغيره رضي الله عنه، وكذلك أزواج النبي عليه السلام روين أخباراً عن النبي عليه السلام؛ حتى عدّت عائشة رضي الله عنها من كبار الصحابة رأياً ورواية، وإذا ثبت هذا في رواية الأخبار من النبي عليه السلام ثبت فيما يخبر من أمور الدين؛ هذا إذا كان المخبر عدلاً.

وإن كان المخبر غير ثقة، أو كان لا يدرى أنه ثقة أو غير ثقة، يريد أن المخبر إذا كان فاسقاً أو مستوراً نظر فيه؛ لأنه استوى دليل الصدق والكذب في حقه؛ لأن عقله ودينه إن كانا يدلان على الصدق ففسقه وكونه غير معصوم عن الكذب يدلان على الكذب، فلابد من الترجيح، وليس ههنا دليل على الترجيح سوى التحري، وأكثر الرأي، فإن كان أكثر رأيه أنه صادق تيمم، ولم يتوضأ بترجيح جانب الصدق على جانب الكذب بالتحري، وإن أراقه ثم تيمم بعد ذلك كان أحوط، ولم يذكر مثل هذا في الخبر الواحد إذا كان عدلاً؛ لأن هناك رجحان الصدق بالعدالة ثابت بدليل لا بمجرد الظن؛ لأن العدالة عبارة عن انزجاره عن المعاصي، وإنه دليل ظاهر في نفسه، فسقط اعتبار جري الكذب أصلاً، وأما ههنا رجحان الصدق بالتحري ثابت بمجرد الظن، فبقي شبهة اعتبار جري الكذب، فكان إراقة الماء حتى يصير عارٍ عن الماء الطاهر من كل وجه أحوط، وإن كان أكثر رأيه أنه كاذب توضأ به، ولم يلتفت إلى قوله، وأجزأه ذلك، ولا يتيمم عليه؛ (لأنه) أرجح جهة الكذب بالتحري، فلم تثبت نجاسته، فبقي الماء على الطهارة؛ هذا هو جواب الحكم.

فأما في.... والاحتياط: فالأفضل له أن يتيمم بعد الوضوء؛ لأن جانب الكذب إنما ترجح بمجرد الظن، فلم يسقط اعتبار جري الصدق فلا يجب الجمع بينهما بالأخرى؛ لكن يندب إلى ذلك؛ كإراقة الماء في الفصل الأول؛ لا يجب جبراً بل يندب إليه.

ثم إن محمداً رحمه الله ألحق المستور بالفاسق، وهذا جواب ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما: أن المستور في هذا الحكم كالعدل، وهذا ظاهر على مذهبه، فإنه يجوز القضاء بشهادة المستورين إذا لم يطعن الخصم، وسيأتي هذا الفصل إن شاء الله تعالى، وهذا إذا كان المخبر مسلماً.

فإن كان المخبر بنجاسة الماء ذمياً لا تثبت نجاسة الماء بقوله؛ لأن المخبر لو كان مسلماً فاسقاً لا يثبت نجاسة الماء؛ لأنه فاسق فعلاً، فلأن لا تثبت النجاسة بقول الذمي، وإنه فاسق فعلاً واعتقاداً كان أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>