للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرق بين الذمي وبين الفاسق من وجهين:

أحدهما: أن الفاسق أوجب التحري، وفي الذمي لا يوجب التحري، والفرق أن الفاسق استوى دليل الصدق، ودليل الكذب، فوجب الترجيح بالتحري، وفي حق الذمي ترجح جانب الكذب من غير تحر؛ لأن عقله ودينه الذي هو دليل الصدق في حق المسلم يحمله على الكذب في حق المسلم؛ لأنه يعتقده على دين باطل فيقصد الإضرار به بكل ما أمكنه، وإليه وقعت الإشارة، في قوله تعالى: {لا يألونكم خبالاً} (آل عمران:١٨) أي: إنما يقصدون في إفساد أموركم، فإذا ترجح جانب الكذب في حقه بدون التحري؛ لا يجب التحري؛ لأن التحري إنما يجب لترجيح أحد الدليلين على الآخر، ولكن يستحب التحري؛ لأن احتمال الصدق باق؛ لأن ترجح جانب الكذب في حق الذمي ما كان بدليل يوجب علم اليقين، فيبقى (٧٧أ٢) احتمال الصدق، فلبقاء احتمال الصدق يستحب له التحري، ولترجيح جهة الكذب بنوع دليل لم يجب التحري، فإن تحرى ووقع في قلبه أنه صادق فيما يخبر لا يجب عليه التيمم؛ لأن هذا التحري يستحب وليس بواجب، فالعمل به يكون مستحباً لا واجباً، فإن تيمم لا يجزئه ما لم يرق الماء أولاً، بخلاف ما لو أخبره فاسق وتحرى، ووقع تحريه أنه صادق فيما أخبر من نجاسة الماء، فتيمم قبل إراقة الماء، فإنه يجزئه، وهو الفرق الثاني.

والوجه في ذلك: أن هذا التحري إذا كان مستحباً لا واجباً ثبتت النجاسة بهذا التحري في الاستحباب دون الحكم، فإذا لم تثبت النجاسة في حق الحكم كان الثابت في حق الحكم الطهارة، فإذا تيمم قبل الإراقة، فقد تيمم مع وجود الماء الطاهر في حق الحكم فلا يجوز، أما في حق الفاسق التحري واجب، فثبتت النجاسة بالتحري من حيث الحكم، فيصير الماء نجساً من حيث الحكم، ولكن احتمال الطهارة من وجه؛ لأن الصدق ترجح بمجرد الظن لا بدليل، فتستحب الإراقة ولا تجب.

والذي ذكرنا من الجواب في الذمي: إذا أخبر بنجاسة الماء؛ فهو الجواب في الصبي العاقل والمعتوه؛ لأن دليل الكذب فيها راجح على دليل الصدق؛ لأن الصبي ناقص العقل، والمعتوه كذلك، فيكون عقله دليلاً على الصدق من وجه دون وجه، ودينه كذلك؛ لأن الدين إنما يصير مانعاً بالعقل، وإذا كان عقلهما ودينهما دليلاً على الصدق من وجه دون وجه؛ كان دليلا الصدق والكذب في حقهما على السواء، وترجح جانب الكذب لكونه غير معصوم عن الكذب، فصار الجواب في حقهما كالجواب في حق الذمي من هذا الوجه.

رجل اشترى لحماً فلما قبضه أخبره مسلم ثقة أنه ذبيحة المجوسي، لم ينبغ له أن يأكله؛ لأن المشهود به حرمة التناول، وإنه حق الله تعالى، وإثباتها لا يتضمن زوال الملك، فإن حرمة الانتفاع مع قيام الملك يجتمعان في الجملة، والمشهود به إذا كان بهذه الصفة يثبت بقول الواحد، فرق بين هذه المسألة وبين مسألتين:

إحداهما: رجل تزوج امرأة، فجاء مسلم ثقة أو امرأة، وأخبر أنهما ارتضعا من

<<  <  ج: ص:  >  >>