للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسئل الفقيه أبو جعفر: عن رجل وجد رجلاً مع امرأته أيحل له قتله؟ قال: إن كان يعلم أنه يزجر عن الزنا بالصياح أو بالصرف بما دون السلاح، فإنه لا يقتله، ولا يقاتل معه بالسلاح، وإن علم أنه لا يزجر إلا بالقتل والمقاتلة معه بالسلاح؛ حل له القتل، فكأنه إنما أخذ هذا من قول محمد رحمه الله، فإن محمداً رحمه الله أمره بالتحري مرة أخرى بعدما تحقق الشر بالتحري ليعلم أنه هل يزجر بما دون القتل، أو لا ينزجر، وقد مر بعض هذه المسائل في كتاب السرقة.

الفصل الثالث في الرجل رأى رجلاً يقتل أباه، وما يتصل به

قال محمد رحمه الله في كتاب الاستحسان: وإذا رأى الرجل رجلاً يقتل أباه متعمداً، ثم أنكر القاتل أن يكون قتله، أو قال للابن في السر: إني قتلت أباك؛ لأنه قتل فلاناً عمداً، أو قال له: إن أباك ارتد عن الإسلام، فاستحللت قتله لذلك، ولم يعلم الابن شيئاً مما قال، كان الابن في سعة من قتله؛ لأن الوارث عاين السبب المبيح لقتله، وهو قتل الأب عمداً؛ إلا أن القاتل ينكر أو يدعي ما يسقطه، فلا يثبت ما ادعى من السقوط إلا بالبينة، وكان بمنزلة ما لو قال لغيره: أخذت مالك بإذنك، أكلت طعامك بإذنك، فإن دعوى الإذن لا تثبت بالبينة، وكذلك من عاين هذا القتل كان له أن يعين الابن على استيفاء القصاص؛ لأنه علم بوجوب هذا الحق للابن متى عاين قتل وليه، وكان عليه أن يعينه على استيفاء حقه كما في سائر الحقوق، (٨١أ٢) وكذلك إذا لم يعاين الابن القتل، ولكن أقر القاتل بين يديه بالقتل، ثم ادعى ما يسقط القتل؛ لأن الثابت بالإقرار كالثابت معاينة؛ لأن البيّنة منعه عن الإقرار؛ لأن الإنسان لا يقر على نفسه كاذباً بالقتل، فصار الثابت بالإقرار كالثابت معاينة من هذا الوجه، ولو عاين الابن القتل وسعه قتل القاتل؛ كذا ههنا.

فرق بين الإقرار وبين الشهادة، فإنه لو شهد عنده عدلان أن فلاناً قتل أباك عمداً، والابن عرفهما بالعدالة، لا يسع الابن قتله ما لم يشهدا بذلك عند القاضي، ويقضي القاضي بشهادتهما، وفي الإقرار بالقتل قال: وسعه أن يقتله.

والفرق بينهما: أن الشهادة إنما عرفت حجة بخلاف القياس؛ لأنها إقرار على الغير، والإنسان فيما يقر على غيره قد يكذب، فيجب أن لا يكون حجة كالإقرار؛ إلا أنا جعلناها حجة شرعاً؛ بخلاف القياس عند اتصال القضاء بها، فقبل اتصال القضاء لا تكون حجة أصلاً، فلا يثبت المشهود به قبل القضاء من كل وجه، وإنما يثبت من وجه دون وجه، وبدونه لا يحل الاستيفاء، فأما الإقرار فإنما صار حجة موافقاً للقياس؛ لانتفاء تهمة الكذب عنه؛ لأن الإنسان لا يقر على نفسه كاذباً خصوصاً بالقتل، فإذا انتفت التهمة عن الإقرار التحق الإقرار بالمعاينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>