في عامة الروايات، وهذه الروايات فيما إذا ظهر الإمام عليهم عنوة وقهراً، فأما إذا وقع الصلح بينهم وبين الإمام فالكنائس والبيع تترك على حالها، ولا يتعرض لها باتفاق الروايات.
ثم إذا كانت الكنائس قديمة وقد ظهر الإمام عليهم عنوة، حتى لم يكن للإمام نقضها على ظاهر الرواية، انهدمت كنيسة منها كان لهم بناؤها؛ لأن هذا ليس بإحداث؛ بل إعادة للأول، فكأنه غير الأول، فلا يمنعوا عنه إلا إذا أرادوا أن يبنوا أوسع من الأول، فحينئذٍ يمنعون عن الزيادة في حق الزيادة إحداث.
ولا ينبغي أن يتركوا حتى يشتري أحد منهم، داراً أو منزلاً في مصر من أمصار المسلمين، ولا ينبغي أن يتركوا بأن يسكنوا في مصر من أمصار المسلمين؛ هكذا ذكر في كتاب العشر والخراج من «الأصل» ، فعلى رواية كتاب العشر والخراج: لم نمكنهم من المقام في أمصار المسلمين، وفي عامة الكتب نمكنهم من المقام في أمصار المسلمين إلا أن يكون المصر من أمصار العرب نحو أرض الحجاز وما أشبهه، فحينئذٍ لا يمكنون من المقام فيها؛ قال عليه السلام:«لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» والصحيح ما ذكر في عامة الكتب، فقد صح أن عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس صلحاً، وترك أهل الذمة فيها، وخالد بن الوليد رضي الله عنه فتح بلدة وترك أهل الذمة فيها، وفتح عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان أرض الشام عنوة وقهراً، وتركوا أهل الذمة فيها، وأبو موسى الأشعري وعثمان بن العاص، وعتبة بن عمرو فتحوا نهاوند وتركوا أهل الذمة، فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم جوزوا ترك أهل الذمة في أمصار المسلمين من بلاد العجم، فيصير فعلهم حجة لما ذكرنا في عامة الكتب.
إذا قال لذمي: أطال الله تعالى بقاءك، إن كان نيته أن الله تعالى يطيل بقاءه ليسلم أو يؤدي الجزية عن ذل وصغار فلا بأس به، وإن لم ينوِ شيئاً يكره، وفي «فتاوى أهل سمرقند» وفي هذا الموضع أيضاً: مسلم دعاه نصراني إلى دار ضيفاً حل له أن يذهب؛ لأن فيه ضرب من البر، وقد ندبنا إلى بر من لم يقاتلنا في الدين؛ قال الله تعالى:{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم}(الممتحنة: ٨) . وفي أضحية «النوازل» : المجوسي أو النصراني إذا دعا رجلاً إلى طعامه يكره الإجابة، فإن قال اشتريت اللحم من السوق؛ لأن المجوسي يبيح المنخنقة والموقوذة، والنصراني لا ذبيحة له، وإنما يأكل ذبيحة المسلم، أو، وإن كان الداعي يهودياً فلا بأس به؛ لأنه لا يأكل إلا من ذبيحة اليهودي، أو من ذبيحة المسلم، وما ذكر في حق النصراني يخالف رواية محمد على ما تقدم ذكرها.
وفي «الجامع الصغير» عن أبي حنيفة رضي الله عنه: ولا بأس بعيادة اليهودي والنصراني؛ لأن العيادة من باب البر والصلة، ولا بأس بالبر في حقهم، وقد صح أن رسول الله عليه السلام عاد يهودياً في جواره قد مرض.
[الفصل السابع عشر في الهدايا والضيافات]
هدايا القضاة وتأتي في كتاب أدب القاضي من هذا الكتاب، وأما هدية المستقرض المقرض، فإن كانت مشروطة في الاستقراض فهي حرام، ولا ينبغي للمقرض أن يقبل، وإذا لم تكن مشروطة في العقد، ولم يعلم أنه أهدى إليه لأجل الدين، أو لا لأجل الدين؛ ذكر شيخ الإسلام لا بأس بقبولها، والتورع عنه أولى، وهكذا حكي عن بعض مشايخنا.
بعد هذا قالوا: إذا كانت المهاداة تجري بينهما قبل القرض بسبب القرابة أو الصداقة أو كان المستقرض معروفاً بالجود والسخاء، فهذا قائم مقام العلم أنه أهداه لا لأجل الدين، فلا يتورع عنه، وإن لم يكن شيئاً من ذلك، والحالة حالة الإشكال، فيتورع