عنه حتى ينص أنه أهدى لا لأجل الدين، ومحمد رحمه الله لم يرَ به بأساً بلا تفصيل.
جئنا إلى فصل الدعوة، قال محمد رحمه الله: ولا بأس بأن يجيب دعوة رجل له عليه دين، قال شيخ الإسلام: هذا هو جواب الحكم، فأما الأفضل أن يتورع عن الإجابة إذا علم أنه لأجل الدين، أو أشكل عليه الحال؛ قال شمس الأئمة الحلواني: حالة الإشكال؛ إنما يتورع إذا كان يدعوه قبل الإقراض في كل عشرين يوماً بعد الإقراض جعل يدعوه في كل عشرة أيام، أو زاد في ... أما إذا كان يدعوه بعد الإقراض في كل عشرين كما كان يدعوه قبل الإقراض، ولا يزيد في ... فلا يتورع إلا إذا نص أنه أضاف لأجل الدين، فإن كان لا يدعوه قبل الإقراض أصلاً، وجعل يدعوه بعد الإقراض يتورع إلا إذا نص أنه أضافه لا لأجل الدين، وههنا زيادة تفريع سيأتي في كتاب أدب القاضي إن شاء الله تعالى.
وأما هدايا الأمراء في زماننا؛ حكي (عن) الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل أنه سئل عن هدايا الأمراء في زماننا قال: ترد على إبانها والشيخ الإمام الزاهد أبو بكر محمد بن حامد سئل عن هذا، فقال: يوضع في بيت المال، وهكذا ذكر محمد في «السير الكبير» فذكر ذلك الشيخ الإمام الجليل محمد بن الفضل، فقال: كنت أعلم أن المذهب هذا؛ إلا أني لم أجب به مخافة أن يوضع في بيت المال، ثم الأمراء يصرفونها إلى شهواتهم ولهوهم، فقد علمنا أنهم إنما يمسكون (٩٤ب٢) بيت المال لشهواتهم؛ لا لجماعة المسلمين، وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يمنع عماله عن قبول الهدايا، وإذا قبلوها ردوهاعلى أصحابها إن قدروا عليهم، وإن لم يقدروا عليهم وضعوها في بيت المال.
واختلفت الصحابة ومن بعدهم في جواز قبول الهدية من أمراء الجور، فكان ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يقبلان هدية المختار، وعن إبراهيم النخعي: أنه كان يجوز ذلك، وأبو ذر وأبو درداء كانا لا يجوزان ذلك، وعن علي رضي الله عنه: أن السلطان يصيب من الحلال والحرام، فإذا أعطاك شيئاً فخذه، فإن ما يعطيك حلال لك، وحاصل المذهب فيه أنه إن كان أكثر ماله من الرشوة والحرام لم يحل قبول الجائزة منه ما لم يعلم أن ذلك له من وجه حلال، وإن كان صاحب تجارة وزرع وأكثر ماله من ذلك، فلا بأس بقبول الجائزة ما لم يعلم أن ذلك له من وجه حرام، وفي قبول رسول الله عليه السلام الهدية من بعض المشركين دليل على ما قلنا.
وفي «عيون المسائل» : رجل أهدى إلى إنسان أو أضافه إن كان غالب ماله من حرام لا ينبغي أن يقبل ويأكل من طعامه ما لم يخبر أن ذلك المال حلال استقرضه أو ورثه، وإن كان غالب ماله من حلال فلا بأس بأن يقبل ما لم يتبين له أن ذلك من الحرام؛ وهذا لأن أموال الناس لا تخلو عن قليل حرام وتخلو عن كثيره، فيعتبر الغالب ويبنى الحكم عليه.r