للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الأول في نفس الغصب]

فنقول: الغصب شرعاً: أخذ مال متقوم محرم بغير إذن المالك على وجه ينفي يد المالك إن كان في يده أو تتغير يده إن لم يكن في يده، وإنه نوعان:

نوع يتعلق به المأثم، وهو ما وقع عن علم، ونوع لا يتعلق به المأثم، وهو ما وقع عن جهل، والضمان يتعلق بهما جميعاً؛ لأن الضمان لجبر الحق، والحق يفوت في الحالين على نمط واحد، وشرطه عند أبي حنيفة رضي الله عنه: كون المأخوذ منقولاً، وهو قول أبي يوسف آخراً حتى إن غصب العقار عند أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر لا ينعقد موجباً للضمان. استعمال عبد الغير غصب له حتى لو هلك من ذلك العمل ضمن المستعمل قيمته علم المستعمل أنه عبد الغير أو لم يعلم، بأن جاء إليه وقال: أنا حر فاستعمله، وهذا لما بينا أن ضمان الغصب لا يختلف بالعلم وعدم العلم، وهذا إذا استعمله في أمر من أمور نفسه.

أما إذا استعمله في أمر نفسه لا يصير غاصباً له، فقد ذكر في «فتاوى أهل سمرقند» أن من قال لعبد الغير: ارتق شجرة المشمش هذه لتأكل أنت، فوقع من الشجرة ومات لا يضمن الآمر، ولو قال: لآكل أنا وباقي المسألة بحالها يضمن، وما افترقا إلا؛ لأنه في الفصل الأول ما استعمله في أمر نفسه، وفي الفصل الثاني استعمله في أمر نفسه.

وسئل شمس الإسلام عمن استعمل عبد الغير أو جارية الغير، فأبق في الاستعمال، فهو ضامن بمنزلة المغصوب إذا أبق من يد الغاصب، ومن استعمل عبداً مشتركاً، أو حماراً مشتركاً بينه وبين غيره بغير إذنه يصير غاصباً نصيب شريكه، وفي «أجناس الناطفي» في أمر الحبس الأول من كتاب «الدعوى» أن في استعمال العبد المشترك بغير إذن شريكه روايتان؛ عن محمد روى هشام عنه أنه يصير غاصباً نصيب صاحبه، وروى ابن رستم عنه: أنه لا يصير غاصباً، وفي الدابة يصير غاصباً نصيب صاحبه في الروايتين ركوباً وحملاً، وورد في زماننا من هذا الجنس فتوى من بعض البلدان.

وصورته: رجل كان يكسر الحطب، فجاء غلام رجل وقال: أعطني القدوم والحطب حتى أكسرها، فأبى صاحب الحطب ذلك، فأخذ الغلام القدوم منه، وأخذ الحطب وكسر بعضه، وقال: ائتِ آخر معي أكسر، فأتى صاحب الحطب، بحطب آخر فكسره الغلام، فضرب بعض المكسور من الحطب على عين الغلام، وذهبت عينه، فأفتى مشايخ زماننا أنه لا يكون على صاحب الحطب شيء؛ لأن صاحب الحطب لم يأمر الغلام بكسر الحطب، ولم يستعمله فيه، وإنما فعل العبد ذلك باختياره، فلا يكون على صاحب الحطب شيء.

وسئل أبو بكر عمن وجه جاريته إلى النخاس فبعثتها امرأة النخاس في حاجة فهربت، فعلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه: الضمان على امرأة النخاس لا غير، وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>