بقتاله والمجادلة معه، فيقل الفساد، فيحصل نوع نكاية بالأمر بالمعروف بتقليل الفساد؛ أما الكفار لا يتركون الكفر والحراب حال ما يشغتلون بقتاله؛ بل يحققون ذلك ... لا يؤثر في تقليل الفساد، فتعتبر النكاية من حيث الجرح والضرب فلا يباح.
الثاني: أن القوم هناك يعتقدون ما نأمرهم به، فلا بد وأن يكون فعله مؤثراً في باطنهم، وههنا القوم لا يعتقدون ما يدعوهم، فلا يؤثر فعله في باطنهم، فتعتبر الآية حسب الظاهر، فإذاً لا فرق بينهما صورة، إنما الفرق من حيث المعنى؛ هذه الجملة من شرح شيخ الإسلام.
وذكر الفقيه أبو الليث في كتاب «البستان» : أن الأمر بالمعروف على وجوه؛ إن كان يعلم بأكثر رأيه أنه لو أمر بالمعروف يعقلون ذلك منهم، ويمتنعون عن المنكر، فالأمر واجب عليه، ولا يسعه تركه، ولو علم بأكثر رأيه أنه لو أمرهم بذلك قذفوه وشتموه فتركه أفضل، وكذلك لو علم أنهم يضربونه، ولا يصبر على ذلك، ويقع بينهم العداوة، وينتج منه القتال فتركه أفضل، ولو علم أنهم لو ضربوه وصبر على ذلك، ولم يشكو إلى أحد فلا بأس به وهو مجاهد، ولو علم أنهم لا يقبلون منه، ولا يخاف منهم ضرباً ولا شتماً فهو بالخيار، والأفضل أن يأمر.
[الفصل التاسع عشر في التداوي والمعالجات، وفيه العزل، وإسقاط الولد]
ذكر محمد رحمه الله في «السير» في باب دواء الجراحة عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم داوى وجهه بعظم بال في الحديث دليل على أنه لا بأس بالتداوي، وبه نقول ومن الناس من كره ذلك، ويروي آثاراً تدل على كراهيته، ونحن نستدل بما روينا، وبقوله عليه السلام:«تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يخلق داءً إلا وقد خلق له دواءً إلا السام والهرم» ، ولكن ينبغي لمن يشتغل بالتداوي أن يرى الشفاء من الله لا من الدواء، ويعتقد أن الشافي هو الله دون الدواء.
وتأويل ما رووا من الأخبار إذا كان الشفاء من الدواء ويعتقد أنه لو لم يعالج لا يسلم، ونحن نقول: إنه لا يجوز التداوي لمثل هذا؛ قال محمد رحمه الله: ولا بأس بالتداوي بالعظم إذا كان عظم شاة أو بقرة أو بعير أو فرس أو غيره من الدواب؛ إلا عظم الخنزير والآدمي، فإنه يكره التداوي بهما، فقد جوز التداوي بعضم ما سوى الآدمي والخنزير من الحيوانات مطلقاً من غير فصل بينهما إذا كان الحيوان ذكياً أو ميتاً، وبينما